القطاع غير الربحي .. والاستدامة المالية

اهتمت بلادنا منذ وقت مبكر جداً بتطبيق مبدأ الاستدامة المالية الذي يعمل على إيجاد توازن مالي مستدام بين النفقات والإيرادات مع توفير احتياطات مالية للطوارئ والأزمات وتمكين الجهات من التخطيط المالي الطويل الأمد. ويعتبر الأمير مساعد بن عبدالرحمن وزير المالية الأسبق ومحمد أبا الخيل الوزير الذي عمل معه وبعده في وزارة المالية أهم من رسخ منهج الاستدامة المالية في القطاع الحكومي.
كما اهتمت وزارة المالية بنقل التجربة الناجحة إلى القطاع الخاص ثم إلى القطاع غير الربحي الذي هو موضوع مقالي اليوم، ثم جاءت رؤية 2030 التي تعتبر الاستدامة المالية في جميع المجالات من أهم أهدافها ضمن برامج تعزيز الإيرادات غير النفطية وتحسين كفاءة الانفاق الحكومي، ولو أردنا تعريفاً للقطاع غير الربحي لوجدنا أنه "أحد القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي تعنى بتقديم خدمات أو تنفيذ أنشطة لا تهدف إلى تحقيق أرباح مالية بل تهدف إلى تحقيق منافع عامة أو خدمات لشريحة معينة من المجتمع"، وبالتالي تحتاج إلى الاستدامة المالية ‏لإدارة موارده بشكل يضمن استمرارية عمله، وتحقيق أهدافه على المدى الطويل دون الوقوع في عجز أو تحمل ديون لا يمكن تحملها. ويمكن لهذا القطاع الاعتماد على استثمارات وقفية أو شراكات طويلة الأجل بدلاً من التبرعات الموسمية فقط.
ولو أردنا العودة إلى التاريخ لمعرفة دخول الأعمال غير الربحية في بلادنا لوجدنا أن الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- قد أصدر عام 1928 نظاماً لتوزيع الصدقات والإعانات بحيث يحدد أهداف الرعاية الاجتماعية ومجالاتها، وفي 1929 تم تأسيس لجنة خيرية في مكة المكرمة باسم لجنة الصدقات العليا ومن أوائل الجمعيات المسجلة في القطاع غير الربحي جمعية البر في مكة المكرمة وذلك في 1951. أما عدد المنظمات غير الربحية بنهاية عام 2023 فقد بلغ 4514 منظمة ويشرف على القطاع غير الربحي "المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي" الذي يرأس مجلس إدارته المهندس أحمد الراجحي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والمؤسس عام 2019.
وأهم أهداف ومهام هذا المركز تنظيم وتفعيل وتوسيع دور منظمات القطاع غير الربحي في المجالات التنموية ويسهم المركز بشكل محوري في تحقيق رؤية 2030 التي من أهم أهدافها رفع نسبة مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5% بحلول 2030 من خلال تطوير السياسات وتنظيم القطاع وتحفيز الشراكات مع القطاعين العام والخاص.
‏وأخيراً: رسالة إلى كل من يعمل في القطاع غير الربحي متطوعًا: عليك أن تشعر بالسعادة والرضى لأنك تؤدي واجبا دينيا ووطنيا بشرط أن لا تفاخر بذلك أو تطلب الشهرة بأي شكل من الأشكال من خلال هذا العمل الجليل، وأن تؤدي عملك بإخلاص دون انتظار الشكر من أحد، وأن تواظب على عملك وكأنك تستلم مرتبا مع التغلب على العقبات دون شكوى، وأن لا تخلط بين عملك الخاص وهذا العمل من قريب أو بعيد، وأن تحرص على أموال الجهة غير الربحية أشد من حرصك على أموالك الخاصة بحيث تعمل على ضبط المصروفات وتنمية الإيرادات بأقصى ما تستطيع.
هذه نصيحة محب من واقع تجربة طويلة منوعة في هذا المجال الذي يجد الدعم من القيادة ومن المجتمع وقد أبدعت شخصيات كثيرة في العمل التطوعي بجميع أنواعه والقادم أفضل بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي