أهداف المنشآت ذات الأغراض الخاصة
شهدت المنشآت ذات الأغراض الخاصة تطوراً كبيراً في العقود الماضية، مدفوعة برغبة الشركات والمؤسسات المالية في هيكلة تمويلاتها ومشاريعها بمرونة وكفاءة، مع خفض المخاطر القانونية والمالية التي قد تتعرض لها، وهذه من أبرز الأسباب التي تجعل الشركات تتجه إلى هذا النوع من المنشآت. فهي ليست قوالب وهمية أو طرق ملتوية لاستغلال ثغرات تنظيمية للحصول على تمويل دون أدنى مسئولية، فهي ظهرت أولاً في الأسواق المتقدمة، بالذات في الولايات المتحدة، كوسيلة لفصل أصول أو التزامات معينة عن الكيان الأم، ثم تطورت لاحقًا لتصبح أداة رئيسية في أسواق الدين والتوريق والاستثمار.
في السعودية، نظمت هيئة السوق المالية عمل هذه الكيانات عبر قواعد المنشآت ذات الأغراض الخاصة، وفي 2021 أصدرت الهيئة تحديثات مهمة لهذه القواعد بهدف تيسير عمليات إصدار أدوات الدين والصكوك، وتبسيط إجراءات تأسيس هذه المنشآت مع تعزيز للشفافية وحوكمة العلاقة بين المصدرين والمستثمرين. وتقوم الهيئة حاليًا بتسجيل هذه الكيانات عبر سجل خاص ينشر على موقع الهيئة، إلى جانب أنها تشرف على إصدار الموافقات وضمان التزام المنشأة ذات الأغراض الخاصة بالمهام المعلن عنها، خاصة عندما يتعلق الأمر بإصدارات عامة للمستثمرين الأفراد وغيرهم. أما البنك المركزي السعودي فدوره يبرز إذا كانت المنشأة مرتبطة بجهة مالية خاضعة لإشراف "ساما"، كما في عمليات التوريق أو التمويل المرتبط بمحافظ تمويلية. الطرف الآخر هو وزارة التجارة المعنية بتسجيل الكيان القانوني كشركة ذات مسؤولية محدودة، في حال الكيانات غير المرتبطة بالسوق المالية.
بشكل عام تستخدم الشركات السعودية المنشآت ذات الأغراض الخاصة بطرق عديدة، منها إصدار أدوات الدين والصكوك، وهو الاستخدام الأكثر شيوعاً حيث تستخدم هذه الآلية لإصدار صكوك نيابة عن الشركات بشكل مستقل قانونياً، فنجد هناك عدد قليل من الجهات المتخصصة في تقديم الخدمة، مثل: دينار وصكوك المالية وترميز المالية وآفاق المالية، ومضاربة المالية، وغيرهم ممن يقوم بإصدار الصكوك نيابة عن الشركة الأم، أو الراعي للمنشأة، وتقوم بنقل العوائد إلى المستثمرين. ويمكن للشركات ممارسة عمليات توريق الأصول، حيث يمكن نقل أصول معينة (مثل محافظ عقارية أو تمويلية) إلى منشأة ذات أغراض خاصة ثم إصدار أوراق مالية مدعومة بتلك الأصول. أما الاستفادة من مفهوم المنشأة ذات الأغراض الخاصة بشكل عام، خارج نطاق السوق المالية، فيستفاد منها كذلك في "تنظيف" الميزانية العمومية من خلال نقل بعض الأصول أو الالتزامات إلى منشأة ذات أغراض خاصة، لتحسين المؤشرات المالية للشركة الأم دون فقدان سيطرتها الاقتصادية. وكذلك تستخدم هذه الوسائل في هيكلة استثمارات أو مشاريع مشتركة، كما في مشاريع البنية التحتية أو الشراكات والتحالفات المعقدة بحيث يتم الفصل بين شركاء المشروع والمخاطر المتعلقة به.
جميعنا نعلم عن دور المنشآت ذات الأغراض الخاصة في عمليات التوريق وإدارة المخاطر التي تمارسها الشركات الأمريكية، وعلى رأسها سيئة الذكر "إنرون" حين استخدمت المنشآت ذات الأغراض الخاصة كأدوات لإخفاء ديون ضخمة خارج الميزانية، ولكن بعد الأزمة المالية العالمية 2008، شددت الجهات التنظيمية في أمريكا على تنظيم هذه الكيانات، إلا أن استخدامها مستمر إلى اليوم ضمن أطر تنظيمية صارمة، خاصة في أسواق الصكوك والسندات المدعومة بأصول عقارية تجارية أو أصول أخرى.
الآلية بكل بساطة أنه عند رغبة شركة بإصدار صكوك بقيمة 100 مليون ريال، فإنها تقوم بتأسيس منشأة ذات أغراض خاصة مستقلة عنها تماماً، وتصدر الصكوك بناءً على أصول أو تدفقات نقدية من الشركة، ويحصل المستثمرون على عوائد من تلك التدفقات، فتكون المنشأة ذات الأغراض الخاصة كوسيط قانوني مستقل، يوفر الشفافية ويحمي حقوق المستثمرين، والآن مع وجود جهات راعية أصبحت العملية أسهل بكثير من أوقات سابقة، حيث يتم تأسيس المنشأة من خلال الجهة الراعية.
ختاماً، المنشآت ذات الأغراض الخاصة تعد أدوات فعالة تتيح مرونة عالية في التمويل وإدارة الأصول، شريطة الالتزام بالتنظيمات والإفصاح والضوابط التي تضعها هيئة السوق المالية، فيما يخص طرح أدوات الدين، إلى جانب التنظيمات التي تقوم بها كل جهة معنية أخرى، كالبنك المركزي ووزارة التجارة، بحسب طبيعة المنشأة ذات الأغراض الخاصة.