نضج التسويق
في موسم شهر رمضان المبارك يدخل الإعلان مساحات "الإعلام" بشكل أكبر، فالصور والمقاطع التي تبدو كأنها أعمال لزيادة الانتباه إلى العلامة التجارية، أصبحت بقصد، أو من دونه، مواد إعلامية، ليس من باب أن الإعلان جزء من عالم الإعلام والتواصل، لكن من باب جديد، أنه باب تبني القضايا، واتخاذ المواقف، خاصة في الشأنين الاجتماعي والاقتصادي.
انتبهت لإعلاني شركتين سعوديتين من الكبار في عالم الغذاء بمناسبة الشهر الكريم، الأولى ركزت على الهدر في الغذاء كمشكلة عالمية، والثانية ركزت على المبالغة في شراء الأغراض والأطعمة استعدادا للشهر، وكلاهما يوجهان حسنان وحميدان، ويفرضان احترام الشركتين، ويؤديان إلى الغرض من الإعلان، وهو الإعجاب بهما، ومن ثم الانحياز لمنتجيهما، وهذا أمر طبيعي.
أتوقع هذا العام مزيدا من العمق والوعي الإعلاني، خاصة بعد الجائحة، التي لا بد أنها ألقت بظلالها على بعض طرق التفكير والمعيشة، وأيضا لأن رمضان العام الماضي لم يكن هناك متسع من الوقت قبله لأي أعمال تنتج عن التأمل في الحال أو الإنسان في هذا الكوكب، خاصة فيما يتعلق بالجائحة.
ولا يمكن أن يؤثر الإعلان ما لم يكن جاذبا، والجذب يزداد صعوبة مع تداخل الوسائل وكثرتها، لكن الملاحظ لمراقب قديم نسبيا مثلي أن السوق تتحسن نتيجة نضج تجربة المسوقين السعوديين، وهي تجربة ليست قصيرة، لكنها كانت محاربة بشكل أو بآخر من قبل المسيطرين الأجانب على السوق في طرفيه، إدارات التسويق، ووكالات الإعلان.
مديرو التسويق السعوديون، المحترف المهني منهم على وجه التحديد، مع الدماء الجديدة في وكالات الإعلان، الدماء السعودية تحديدا ومن الجنسين، أوجدت فارقا ملحوظا في السوق، ولم تعد الإعلانات خطابا مكررا لمتلق يتم التعامل معه على أنه مستهلك وكفى، بل باتت تصنع ما يمكن أن يلفت نظر المتلقين، وهم جمهور المستهلكين، للمنتج أو الخدمة، أو حتى أولئك الذين يتم استهدافهم لتكريس العلامة التجارية وتحسين الصورة الذهنية لشركة أو منتجها.
الإعلان في السعودية بدأ بتغيير الخريطة الوراثية، الـ"دي إن أيه"، وهو يحقق أحيانا "طفرات جينية" في بعض الحالات، حيث المحتوى ليس بالضرورة ثوريا وجذابا بقدر ما هو يخدم قضية أو مبدأ ويلبي جزءا من حاجة الناس إلى التوعية حول قضايا وملفات تشترك البشرية في الاهتمام بها.
لدينا عقول تسويقية لافتة منذ فترة طويلة، واليوم يضاف إليها مبدعون ومبدعات قريبون من ثقافتنا ومجتمعنا، ومحبون لوطنهم وشركاته، ينجحون يوما بعد يوم في تحويل استراتيجيات وأهداف وملخصات مسؤولي التسويق إلى أفكار إبداعية مميزة، بعضها بالفعل عميقة على بساطتها.