تأثير أسعار الفائدة المتزايدة في الأسواق الصاعدة «2 من 2»

حول الأخبار الجيدة وفي الواقع العملي، هناك مزيج من هذه الأسباب يدفع أسعار الفائدة الأمريكية إلى الارتفاع. ولا تزال الأخبار الجيدة عن آفاق الاقتصاد هي العامل الأساسي. وقد تحسنت توقعات النشاط الاقتصادي في بعض الأسواق الصاعدة بين شهري يناير ومارس، الأمر الذي قد يؤدي جزئيا إلى رفع أسعار فائدتها وقد يساعد على تفسير طفرة تدفقات رأس المال في يناير. وكان ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية لاحقا ارتفاعا منظما بوجه عام، حيث استمر عمل الأسواق بكفاءة. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الفائدة الأمريكية طويلة الأجل، ظلت أسعار الفائدة الأمريكية قصيرة الأجل قريبة من الصفر. وظلت أسعار الأسهم مرتفعة، ولم تتباعد أسعار الفائدة على سندات الشركات وسندات الأسواق الصاعدة المقومة بالدولار عن أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية.
إضافة إلى ذلك، تبدو توقعات السوق للتضخم قيد السيطرة في حدود قريبة من هدف الاحتياطي الفيدرالي للأجل الطويل الذي يبلغ 2 في المائة سنويا، وإذا ظلت في هذه الحدود فمن الممكن أن تساعد على إيقاف الارتفاع في أسعار الفائدة الأمريكية. ويرجع جانب من الطفرة التي سجلتها أسعار الفائدة الأمريكية إلى عودة توقعات المستثمرين للتضخم في الولايات المتحدة إلى وضعها الطبيعي.
لكن يبدو أن هناك عوامل أخرى تسهم بدور أيضا. فجانب كبير من الزيادة في أسعار الفائدة الأمريكية يرجع إلى تصاعد علاوة الأجل، التي قد تكون انعكاسا لتزايد عدم اليقين لدى المستثمرين بشأن التضخم ووتيرة إصدارات الدين في المستقبل ومشتريات البنوك المركزية من السندات. وقد تحولت تدفقات رأس المال التي خرجت من الأسواق الصاعدة في فبراير وأوائل مارس إلى تدفقات داخلة في الأسبوع الثالث من مارس، لكنها لا تزال متقلبة منذ ذلك الحين. ومن غير الواضح أيضا ما إذا كانت الكميات الكبيرة من سندات الخزانة التي يتوقع أن تصدرها الولايات المتحدة هذا العام يمكن أن تزاحم الاقتراض من جانب بعض الأسواق الصاعدة.
وعلى ذلك فإن الموقف يتسم بالهشاشة. فأسعار فائدة الاقتصادات المتقدمة لا تزال منخفضة ويمكن أن ترتفع أكثر. ومزاج المستثمرين تجاه اقتصادات الأسواق الصاعدة يمكن أن يتدهور. ولتجنب ما يؤدي لذلك، يمكن للبنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة أن تساعد بالإفصاح الواضح والشفاف عن السياسة النقدية المستقبلية في ظل السيناريوهات المختلفة. وتعد إرشادات الاحتياطي الفيدرالي بشأن الشروط المسبقة لرفع سعر الفائدة الأساسي مثالا جيدا في هذا الخصوص. ومع استمرار التعافي، سيكون من المفيد تقديم مزيد من الإرشادات حول السيناريوهات المستقبلية الممكنة، نظرا لأن إطار السياسة النقدية الجديد الذي وضعه الاحتياطي الفيدرالي لم يختبر بعد، وأن المشاركين في السوق ليسوا على يقين من وتيرة مشتريات الأصول في المستقبل.
ولن تتمكن الأسواق الصاعدة من مواصلة تقديم الدعم من خلال السياسات إلا إذا كان من المتوقع أن يستقر التضخم المحلي. فعلى سبيل المثال، رفعت البنوك المركزية في تركيا وروسيا والبرازيل أسعار الفائدة في شهر مارس للسيطرة على التضخم، بينما أبقتها البنوك المركزية في المكسيك والفلبين وتايلاند دون تغيير.
وفي الوضع المثالي، ينبغي أن تسعى الاقتصادات الصاعدة والنامية إلى تعويض بعض الارتفاع في أسعار الفائدة العالمية باستخدام سياسة نقدية أكثر تيسيرا في الداخل. ولتحقيق ذلك، فهي تحتاج إلى بعض استقلالية القرار بعيدا عن تأثير الأوضاع المالية العالمية. والخبر الجيد هو أن كثيرا من البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة استطاعت تيسير السياسة النقدية أثناء الجائحة، حتى في ظل هروب رؤوس الأموال. ويشير تحليلنا إلى أن الاقتصادات التي تتسم بنوكها المركزية بدرجة أكبر من الشفافية، ويتم صنع القرارات المالية فيها على نحو أكثر اعتمادا على القواعد، وتتمتع بتصنيفات ائتمانية أعلى، تمكنت من تخفيض أسعار الفائدة الأساسية بنسبة أكبر أثناء الأزمة.
ونظرا لاستمرار القدرة العالية على تحمل المخاطر في الأسواق المالية العالمية حتى الآن، وإمكانية حدوث مزيد من التمييز السوقي في المستقبل، فإن الوقت ملائم حاليا كي تقوم الأسواق الصاعدة بإطالة أجل استحقاق الدين، والحد من عدم اتساق العملات في الميزانيات العمومية، والقيام عموما باتخاذ خطوات لتعزيز الصلابة المالية.
والوقت ملائم أيضا لتعزيز شبكة الأمان المالي العالمية، أي نظام الترتيبات على غرار خطوط تبادل العملات والمقرضين متعددي الأطراف الذين يمكنهم توفير النقد الأجنبي للدول المحتاجة إليه. وينبغي أن يكون المجتمع الدولي مستعدا لمساعدة الدول في ظل السيناريوهات المتطرفة. ويمكن للتسهيلات المالية الوقائية التي يتيحها الصندوق أن تعطي الدول الأعضاء دفعة إضافية لهوامش الأمان الواقية من التقلب المالي، كما سيساعد في هذا الصدد توزيع مخصصات جديدة من حقوق السحب الخاصة التي يصدرها الصندوق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي