Author

فرص استثمارية جديدة من جائحة كورونا

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تسببت أزمة كورونا في عديد من المتاعب لرجال الأعمال وروادها، بل أثرت في عديد من الصناعات بشكل سلبي، مثل الطيران المدني والفندقة والأجرة. لذلك فإن القرارات الاستراتيجية المتخذة خلال هذه الظروف الدقيقة تعد حاسمة وستحدد مستقبل الشركات، وكذلك توجد فرص استثمارية نشأت في عديد من الصناعات نتيجة لهذه الجائحة. لكن أصبح البعض يفكر في التحول من هذه الصناعة المنكوبة إلى أخرى ذات أرباح وإمكانات مالية، بينما فضل آخرون التريث والإبقاء على قليل من الخسائر بقدر الإمكان مع البقاء في الصناعة إلى حين زوال الجائحة. لكن السؤال هنا يدور حول الصناعات التي كسبت أخيرا خلال جائحة كورونا، بحكم قدرة مفاهيم الرقمنة في إبرازها، وكذلك قدرة المنظمات على التكيف والمرونة مع أحداث الجائحة. دعونا نتطرق لبعض الصناعات عالميا التي استطاعت أن توجد فرصا استثمارية أصبحت جاذبة أكثر من ذي قبل.
في صناعة تقديم وتوفير الأطعمة، تغيرت عادة استهلاك الغذاء والطعام منذ أن بدأت الجائحة، ويمكن للشركات أن تتفاعل مع هذا التغير كي تستفيد منه. حيث يقرر مزيد من العملاء البقاء في المنزل والطهي بدلا من تناول الطعام خارجه، الأمر الذي تسبب في زيادة الاستهلاك في محال بيع الأغذية "السوبر ماركت". لقد كانت المتاجر مليئة بالأشخاص الذين يشترون المواد الغذائية الضرورية ولا يزال العملاء يعدون الشراء من تلك المحال أكثر أمانا من تناول الطعام خارج المنزل. لقد رأينا كيف أن دعم إغلاق المطاعم في عديد من الدول، حتى أولئك الذين اعتادوا الخروج لتناول الطعام، إلى البدء في إعداده في المنزل والتسوق من محال بيع الأغذية. ويمكن للشركات في هذه الصناعة الاستفادة من زيادة الطلب، ومن المرجح أن يطلب العملاء من تلك المحال أكثر من قبل، وبالتالي فإن محال بيع الأغذية التي لديها خدمات توصيل يمكن أن تجذب العملاء بشكل كبير. ولا شك أن لصناعة الرعاية الصحية Healthcare دورا أساسيا خلال الجائحة. ونظرا لأن الناس ينتظرون بلهفة الشفاء أو الوقاية من هذا الوباء، فإن الاستثمار في الشركات التي تطور لقاح الفيروس يمكن أن يكون فرصة استثمارية جذابة. إضافة إلى ذلك الاستثمار في تطبيقات الرعاية الصحية عن بعد، بسبب التباعد الاجتماعي وعدم زيارة الأطباء أو المستشفيات إلا في الحالات العاجلة. من جانب آخر، نرى أن صناعة التقنية بدأت تنمو بقوة في أسواق الخدمات السحابية والاتصالات السلكية واللاسلكية وغيرها من الخدمات التي تدعم العمل المنتج من المنزل نتيجة لزيادة عدد العاملين عن بعد، وتتمتع أحدث التقنيات الحديثة مثل الجيل الخامس بإمكانات نمو كبيرة، ويمكن أن تكون هي أيضا جاذبة للمستثمرين أثناء الجائحة.
أما التجارة الإلكترونية E-commerce، فتعد واحدة من أكثر الصناعات شعبية للاستثمار خلال الجائحة. لأن الجائحة أجبرت العملاء على مغادرة منازلهم فقط في حالات معينة أو البقاء كثيرا، بدأ هؤلاء في طلب الشراء عبر الإنترنت، وكما يذكر بعض الدراسات أن كثيرا منهم لم يفعلوا ذلك من قبل. فلم يقتصر الأمر على طلب الطعام عبر الإنترنت فحسب، بل أصبح أيضا شراء الملابس والأجهزة الكهربائية وغيرها الأكثر شيوعا خلال الجائحة. إن هذا التغيير في سلوك العملاء يحفز الشركات على البدء في الرقمنة وتقديم خدمات التوصيل للمنازل وتقديم خدمات عملاء متميزة لعملائها. أما صناعة التقنية المالية Fintech، فتعد الشركات بها في المراتب العليا الفائزة في الجائحة. تخيل أيها القارئ عددا كبيرا من الدورات التدريبية عبر الإنترنت ومنصات البث المباشر ومنصات التجارة الإلكترونية الأخرى، ومنها ستعلم سبب أهمية شركات التقنية المالية أكثر من أي وقت مضى وأيضا تحويل المبالغ، وكيف أن بعض شركات التقنية المالية استغلت الفرصة في بسط نفوذها. واضطر عديد من الموظفين إلى العمل عن بعد، ما زاد أهمية صناعة الأمن السيبراني Cybersecurity. لقد أفاد بعض التقارير أخيرا في زيادة ملحوظة إلى عدد مجرمي الإنترنت أو "الهاكرز" الذين يرغبون في الاستفادة من الموقف الحالي. ونتيجة لذلك، ارتفع الطلب على خدمات الأمن السيبراني، حيث أصبح من الضروري وبشكل متزايد أن تحافظ الشركات على بياناتها بشكل أكثر أمنا. خصوصا أن بعض الموظفين قد لا يملكون أجهزة ذات حماية عالية في منازلهم ما زادت نسبة المخاطر من تواصل الموظف من منزله إلى العمل أو الدخول إلى نظام الشركة. وعليه يمكن أن تكون فرصة استثمارية جذابة لأصحاب المشاريع ورواد الأعمال في إنشاء شركات تعنى بأمن المعلومات ليس في الشركات فحسب لكن في منازل الموظفين أنفسهم. ولا تزال هذه الصناعة في تطور تصاعدي ومغر، حتى بعد زوال الجائحة. وفي صناعة الألعاب، فقد زاد الطلب عليها كثيرا وفي التعرف على الجديد منها، نظرا لبقاء الناس في منازلهم سواء من خلال التطبيقات أو الأجهزة PlayStation، أو من صناعة الأفلام من خلال مشاهدة السينما المنزلية وربما أن هذا يفسر سبب صعود سهم شركة نتفليكس بقوة، حيث المشاهدة المنزلية واستئجار الأفلام.
لقد كان للأزمة تأثير سلبي في عديد من الصناعات، وبعض الشركات أعلنت إفلاسها، وأخرى طلبت الدعم الحكومي أو السلف من البنوك، بينما تحسن بعضها بشكل سريع بسبب توافر وانتشار فرص استثمار جاذبة خلال الجائحة. إن الاستثمار في الصناعات المذكورة مفيد للغاية لرواد الأعمال، حيث ازداد الطلب على هذه المنتجات والخدمات أو شراء أسهم الشركات الرائدة بها. لكن مع هذا لا تزال هناك تكهنات وتنبؤات حول إمكانية بقاء هذه الفرص الاستثمارية في هذه الصناعات قائما بعد زوال جائحة كورونا ومدى رجوع الصناعات المنكوبة تدريجيا للمنافسة من جديد.

إنشرها