default Author

الفن الحيوي

|
كثير من الأدباء والممثلين والرسامين والكتاب تخرجوا من كليات صحية وعلمية بحتة، جمعوا بين العلم والفن، ولكن أن يجتمع العلم والفن في لوحة واحدة فهذا هو الجمال بعينه، إنه التداخل بين الفن والحياة لإخراج أعمال فنية غاية في الجمال والإبداع باستخدام الفطريات والبكتيريا ومزارع الأنسجة والحمض النووي وخيوط العنكبوت والنباتات والزهور والدموع والجلد والدم من الحيوانات، أو من الفنانين أنفسهم كأدوات فنية، بدلا من الريشة والألوان.
يقال إن أول من مارس هذا الفن العالم الفذ ومكتشف "البنسلين"، منقذ حياة ملايين البشر عندما كان يستخدم أداة مختبرية مغمسة بالبكتيريا ويزرعها في طبق الآجار ويلونها بالأصباغ، أو يدعها تنمو بألوانها وأشكالها الطبيعية فيتحول الطبق إلى لوحة فنية حية.
المثير أنه فن لا يمكن بيعه أو اقتناؤه، فهو متغير، يختلف كل يوم عما سبقه، نتيجة تأثره بالضوء والحرارة، ويبدأ حيا ثم يموت مع الوقت. ينتج هذا النوع من الفن في المعامل أو في مراسم الفنانين على حد سواء، فهو يحتاج إلى بيئة نظيفة ومعقمة حتى يتمكن صانعه من التحكم فيه. يتعامل البعض مع هذا الفن كألوان وتداخلات لونية مختلفة، في حين يوظف البعض الآخر الصور والأشكال المختلفة ونوعية الفطريات والبكتيريا، لتقديم رسالة أو فكرة أو فلسفة معينة من خلال نمو هذه الكائنات وتطورها.
من أشهر الفنانين العرب الذين مارسوا وتبنوا هذا الفن، هبة عزيز الحاصلة على الدكتوراه في الفن الحيوي، تقول هبة، إن علاقة الفن بالعلم علاقة وطيدة وقديمة فكل اكتشاف أو تطور علمي يسارع الفنانون إلى استخدامه وتسخيره لخدمة فنهم وأفكارهم منذ اكتشاف الضوء حتى أدق التقنيات الحيوية، وهذا مخالف لرأي كثيرين يظنون أن الفن والعلم متعاكسان وبعيدان كل البعد عن بعضهما ولا يمكن أن يلتقيا، فالفن يعتمد على الخيال، والعلم يعتمد على الحقائق.
لقد حاول محبو وممارسو هذا الفن بجنونهم وهوسهم إيصال أفكارهم الفلسفية عن الإنسان والحياة، خصوصا عند رسمهم للبورتريه أو الوجوه، فهم لا يعدون أن هوية الإنسان هي صورة وجهه التي تحملها بطاقته الشخصية، بل هويته تكمن في كل مكونات جسده، دمه، خلايا بشرته، نفسه الذي يتنفسه نشاط دماغه وهكذا.
فمثلا ليقضي أحدهم على فكرة تخليد الأشخاص بعد موتهم، قام بعمل تمثال لوجهه وملأه بدمه وجمده، وكل خمسة أعوام يقوم بتجديده لكي يري الناس مقدار تغيرهم مع الزمن وأنه بموته لن يكون هناك تمثال جديد سيختفي من الوجود.
إنشرها