Author

مصائب الجائحة عند قوم فوائد

|
أستاذ جامعي ـ السويد
ونحن نتطلع إلى اليوم الذي ينكس فيه الفيروس المميت الذي أدخل الرعب في قلوبنا رأسه، ونطل فيه برؤوسنا عاليا في إشارة لدحرنا إياه، شرع كثيرون في تقديم جردة حساب لحالهم وحياتهم في خضم الجائحة التي لم تترك بابا لنا إلا واقتحمته.
والجائحة مصيبة أتتنا من حيث لا نعلم وضربتنا بقسوة شديدة. للعرب قول مأثور عند المصائب، حيث يرددون "مصائب قوم عند قوم فوائد".
بيد أن مصيبة الجائحة لم تقتصر على قوم وتترك قوما آخرين، ولهذا كانت التوقعات ألا يغنم أي قوم أية فوائد في نهاية المطاف.
ورغم أن الأمثال تضرب وقد لا تقاس، إلا أن المأثور من القول وباختلاف الأزمنة يأبى الأفول.
ولم يصبر المحللون وكتاب الرأي والمنظمات الإنسانية حتى هزيمة الجائحة كي يقدموا لنا جردا بالخاسرين والرابحين جراء تفشيها. ها هم قد شرعوا تسليط الضوء على المستفيدين والرابحين.
المحصلة أن السواد الأعظم من الناس لم يخرج منها بخفي حنين وخالي الوفاض فحسب، بل منهكا، خائفا، تأخذه الخشية من المستقبل، مستقبل حياته ومعيشته وحياة ومعيشة من حوله.
قبل الجائحة، كان العالم الغربي صاحب الثروة والتكنولوجيا والرخاء، ينظر بعين رحيمة ملؤها الفخر أحيانا إلى الذين يكدسون الأموال الهائلة. الثروة وتكديسها وتضخمها وحصرها في مجموعة صغيرة جدا من الناس علامة صحية لدى من يتبنى الرأسمالية نهجا.
وكانت صرخات المنظمات الخيرية والإنسانية على أن زيادة الثروة وحصرها لدى مجموعة محددة من الناس خطأ كبير تذهب في الأغلب أدراج الرياح.
وكان أغلب العالم الغربي يستهزئ بطروحات تقول إن تكديس الثروة، ليس اليوم بل منذ بروز الاستعمار الحديث، يقع على حساب عامة الناس، خصوصا المستضعفين منهم.
لكن يبدو أن الجائحة غيرت ليس فينا فقط بل في كثير من المفاهيم التي انغرست فينا، وصارت مسألة مالكي الثروات الهائلة من المسائل الملحة التي يحاول العالم الغربي معالجتها.
ليست هناك حلول سحرية وعاجلة، لأن الغرب مبني أساسا على الثروة ونموها باطراد. القاعدة الرأسمالية الذهبية مبنية على النمو بأشكاله المختلفة وفي شتى القطاعات. زيادة النمو، تعني زيادة الثروة على مستوى الدول والشركات والأفراد. انكماش النمو مؤشر إلى نقصان الثروة، وهذا بعبع أكثر ما تخشاه هذه الدول.
الجائحة أحجمت النمو على مستوى الدول. ورغم أن الجائحة صار لها عام ونيف العام إلا أن الفترة تعد طويلة بالمفهوم الاقتصادي الرأسمالي. النمو السلبي لربع من العام ستكون له تبعات كبيرة على هذه المجتمعات فما بالك بأكثر من أربعة أرباع العام؟.
وعندما تحل المصائب والكوارث - مثل الجائحة التي أوقعتنا أرضا - يبحث الناس عن كبش فداء. في الأغلب كبش الفداء يكون الضعيف والمستضعف من الناس.
هذه المرة الأنظار مصوبة صوب الأقوياء، أصحاب المال والثروة والنفوذ. هم قلة، وقد لا يتجاوز عددهم 1 في المائة من السكان، لكن في صفوفهم من يملك وحده - وهو شخص واحد - ما قد لا تملكه دولة يعبر عدد الناس القاطنين فيها 100 مليون شخص.
وهكذا نرى أن أي حديث عن الجائحة وربما في أي وجهة كان لا بد أن يعرج إلى ذكر جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون وكيف أن الجائحة مكنته من إضافة 70 مليار دولار على ثروته ولا يزال أغنى رجل في العالم رغم تقاسم ثروته مع زوجته التي طلقها قبل نحو عام أيضا وحصلت على ما يقرب من 70 مليار دولار.
ويريد الناس أن تعرف لماذا أوقف هذا الثري مخصصات الخطورة التي كانت تقل عن دولار واحد في الساعة للعاملين لديه والجائحة تتوحش في بلده أمريكا بينما ثروته كانت تتصاعد بمقدار قد يصل إلى 12 مليون دولار في الساعة؟.
ويدور الحديث عن غني آخر، كادت ثروته تلامس 200 مليار دولار في أوج الجائحة، وهو إيلون ماسك صاحب شركة تسلا. فبدلا من أن يمنح العاملين لديه والبالغ عددهم 48 ألفا مخصصات خطورة والجائحة كادت تفلت من عقالها في بلده، خفض معاشاتهم بنسب وصلت إلى 30 في المائة.
ثري آخر وهو بيل جيتس، الذي صار أشهر من نار على علم، دفع 387 مليون دولار فقط لأصحاب الأسهم كجزء من أرباح شركته في عام الجائحة 2020. كل ما منحه لـ 166 ألفا من العاملين في شركته كانت بطاقة هدية قيمتها 25 دولارا.
مجموع ثروة هؤلاء الثلاثة كافية، حسب تقرير لمنظمة إنسانية عالمية، أن تنتشل كل فقراء العالم من براثن الفقر وتقدم لهم لقاحا مجانيا ضد الجائحة.
والثروة التي كدسها بيزوس في عام الجائحة فقط تكفي لمنح 105 آلاف دولار لكل الأشخاص الذين يعملون في شركته والبالغ عددهم 876 ألف شخص.
مصائب الجائحة أكثر من أن تحصى، رغم ذلك كانت لقوم فوائد.
إنشرها