سباق بين اللقاحات والفيروس وتباين مسارات التعافي «2 من 2»
حول السياسات اللازمة لتحقيق تعاف أكثر رخاء وخضرة واحتواء للجميع، قد نستطيع الخروج من الأزمة بآثار غائرة أقل وطأة مما كنا نخشى والحد من التفاوتات عبر البلدان وداخلها إذا ما استمرت فاعلية اللقاحات والعلاجات ضد السلالات الجديدة من الفيروس. ولكن ذلك سيتطلب القيام بالمزيد على جانب السياسات.
أولا، يجب على المجتمع الدولي العمل فورا من أجل ضمان سرعة توافر اللقاحات والعلاجات على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، وتصحيح أوجه عدم المساواة العميقة في الحصول عليها في الوقت الحالي. وسيتطلب ذلك زيادة الإنتاج، وتعزيز التمويل المتاح لآلية "كوفاكس" والخدمات اللوجستية اللازمة لوصول اللقاحات إلى البلدان الأكثر فقرا. وما أكثر الأسباب الصحية والاقتصادية التي تدعونا إلى ذلك. ففي السلالات الجديدة من الفيروس تذكرة بأن الجائحة لن تزول إلا بزوالها من كل مكان. وتشير تقديراتنا إلى أن التقدم بسرعة أكبر نحو القضاء على هذه الأزمة الصحية من شأنه تحقيق زيادة تراكمية في الدخل العالمي قدرها تسعة تريليونات دولار خلال الفترة 2020 - 2025، ما سيعود بالنفع على جميع البلدان، بما في ذلك نحو أربعة تريليونات دولار لمصلحة الاقتصادات المتقدمة.
وثانيا، ينبغي الاستمرار في توفير المساعدات الاقتصادية الموجهة، التي تمثل شريان حياة للأسر والشركات في البلدان التي تتسع فيها دائرة تفشي الفيروس للمساعدة على الحفاظ على الأرزاق والحيلولة دون إفلاس الشركات التي تتوافر لها مقومات البقاء، ما سيتيح تسريع وتيرة التعافي بمجرد رفع القيود المفروضة حاليا. وفي البلدان التي تعاني محدودية الحيز المالي المتاح، ينبغي إيلاء الأولوية للإنفاق على الصحة والتحويلات الموجهة للفقراء. وبمجرد تراجع أعداد الإصابات بشكل دائم مع تزايد المناعة ضد الفيروس، يمكن سحب هذه المساعدات تدريجيا من خلال تشديد شروط الحصول عليها مع الوقت لتشجيع حرية انتقال العمالة والحد من خطر الشركات الجوفاء "زومبي"، التي يمكن أن تؤدي إلى تراجع مستويات الإنتاجية.
وحسبما يسمح الحيز المتاح من خلال السياسات، يمكن إعادة توزيع هذه الموارد المحررة لدعم التعافي. وتتضمن المجالات ذات الأولوية الإنفاق على التعليم لمعالجة الانتكاسة في مستويات تراكم رأس المال البشري، والتطور الرقمي اللازم لتعزيز نمو الإنتاجية، والاستثمار الأخضر الذي يهدف إلى توفير فرص العمل وتسريع وتيرة التحول إلى الاقتصاد المناخي الجديد. وفي الوقت نفسه، يمكن للاقتصادات الكبرى، التي يتوافر لديها حيز مالي كاف، إعطاء دفعة للاستثمارات العامة الخضراء لزيادة فاعلية التدابير الفردية والمساعدة على نشر الآثار الإيجابية عبر الحدود من خلال الروابط التجارية.
وثالثا، ينبغي ضمان الاستقرار المالي في هذه المرحلة التي تسيطر عليها أجواء عدم اليقين. فمن الضروري مواصلة السياسات النقدية التيسيرية لدعم التعافي في البلدان التي لا تواجه مخاطر على جانب التضخم، مع المراقبة الدقيقة للمخاطر التي قد تنشأ على الأرجح نتيجة التراجع غير المسبوق في أسعار الفائدة بغرض احتوائها. وعند سحب تدابير مواجهة الجائحة في نهاية المطاف، مثل تأجيل سداد مدفوعات القروض، ستزداد على الأرجح حالات الإفلاس والقروض المتعثرة، ما قد يدفع الأجهزة المصرفية الهشة بالفعل إلى حالة من العسر المالي. لذلك، ينبغي أن تضع البلدان أطرا خاصة لإعادة الهيكلة دون اللجوء إلى القضاء بغرض تسريع إجراءات الإفلاس، بحيث لا تتأثر قدرة البنوك على توفير الائتمان. وقد أدى الإنفاق المالي وانهيار مستويات الناتج إلى ارتفاع الدين السيادي العالمي إلى مستويات غير مسبوقة. وبينما سيساعد انخفاض أسعار الفائدة والتعافي المتوقع في مستويات النمو خلال عام 2021 على استقرار مستويات الدين في عديد من البلدان، سيستفيد الجميع من وجود إطار مالي لضمان استمرارية القدرة على تحمل الدين على المدى المتوسط.
وأخيرا، يجب على المجتمع الدولي القيام بالمزيد لمساعدة البلدان الأكثر فقرا على التصدي للأزمة وتجنب التأخر الشديد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وقد ساعد التيسير الكبير في أوضاع السياسة النقدية من جانب البنوك المركزية الكبرى على تحسن أوضاع التمويل في عديد من بلدان العالم النامي. ولكن بعض البلدان الأخرى تواجه قيودا أشد وطأة وستحتاج بالتالي إلى مزيد من الدعم الدولي في صورة منح وقروض ميسرة وديون مخففة أو إعادة هيكلة للديون في بعض الحالات بموجب "إطار العمل المشترك" الجديد الذي أقرته "مجموعة العشرين".
وفي مواجهة هذا التحدي العالمي غير المسبوق، يجب على المجتمع الدولي التحرك الآن لإنهاء الجائحة في كل مكان، ومعالجة تباين الآفاق عبر البلدان وداخلها، والبناء قدما لتحقيق مستقبل أكثر رخاء وخضرة واحتواء للجميع.