تفكيك التستر قبل القضاء عليه
يقال "إن غنى المجتمع لا يقاس بكمية ما يملك من الأشياء بل بمقدار ما يملك من الأفكار".
لو أسقطنا هذا المفهوم على مشروع القضاء على التستر، فإننا بحاجة إلى تكوين مجموعة من الأفكار والخطط التي تمكننا من القضاء على التستر دون أضرار جسيمة، لأنه مع الأسف الشديد كثير من الناس يختصر التستر في العنصر البشري، وهو ذلك الوافد الذي استبدل مهنته بممارسة الأعمال عن طريق التستر.
لا نختلف على أن هذا مخالف للنظام، ولكن يجب ألا يغيب عن بالنا أننا سمحنا بذلك بطريقة أو أخرى، ولأسباب نحن من صنعها أفرادا ومجتمعا، إن هذا التجاوز تطور مع الزمن ليكون عبارة عن دوائر اقتصادية تتغلغل في كل شرايين الاقتصاد، وبالذات منشآته الصغيرة التي هي عماد أي اقتصاد، وبالتالي أصبح عديد من المواطنين يرتب مداخيله المالية أو جزءا منها على هذه الدائرة الاقتصادية.
اليوم قبل أن نتخلص من هذه الدائرة، أعتقد من الواجب والحكمة تفكيك هذا التستر واختراق هذه الدوائر الاقتصادية المخالفة للنظام، من خلال الإحلال والتدرج باستبدال حجر غير صالح في الجدار الاقتصادي لهذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة بشخص آخر مواطن، وهكذا حتى يأتي اليوم الذي نتخلص فيه من التستر بقوة الأفكار والنظام وليس بقوة النظام فقط.
ولتوضيح الصورة، فإن العامل في هذه الدائرة الاقتصادية، وأعني به الوافد الذي يمارس التجارة أو الخدمات والأعمال، لا يملك كل العائد الاستثماري لهذه الدائرة، وهناك من يشاركه من المواطنين بشكل أو بآخر، والاستفادة المالية من دوران المال في هذه الممارسة تجارية أو صناعية أو غيرهما وبشكل يفوق ما يتصوره البعض، فمثلا العقار الذي تمارس فيه التجارة هو ملك لشخص سعودي، ونسبة كبرى من الأرباح من المحل تذهب كإيجار سنوي، وقد وضع المواطن مالك العقار شقاء عمره في هذا العقار الذي لن يسترد ثمنه إلا بعد أعوام، وكذلك البضائع التي في المحل تعود إلى شركات سعودية، وهذه الدائرة الاقتصادية مصدر مهم في تصريفها، وكل من يتعامل مع هذه الدائرة الاقتصادية مستفيد بشكل أو بآخر، بلدية، كهرباء، تجار جملة، حتى الخطاط السعودي الذي كتب لوحة المحل استفاد ... إلخ.
وعليه، فمن الواجب تفكيك هذا التستر وتحليل تركيباته المعقدة وفهم نسبة التوطين فيه، خاصة أن معظم المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر أغلبها، مع الأسف، تستر وهو تستر يستر العنصر البشري فقط في هذه الدائرة لأنه بتحليل أجزاء هذه الدائرة الاقتصادية، سيذهل البعض أن أكثر من 50 في المائة منها على الأقل موطن ويعود نفعه على المواطن بشكل أو بآخر.
فإذا اتفقنا أن وصف وتحديد المشكلة لا يكفي بل لا بد من تقديم حلول، فإنني هنا ومع قناعتي بأن الجهات المسؤولة لديها من الأفكار والحلول ما يفوق حروفي المتواضعة، فإن الخطوة الأولى في محاربة التستر هي وقف النزيف أولا، وذلك بمنع أي ترخيص جديد لأي منشأة صغيرة، ولتكن البداية من بعض المهن، فوال، طباخ، صيدلية، بقالة، ورشة سيارات داخل المدينة، وغيرها، نعم أي ترخيص جديد لا بد أن يكون موطنا 100 في المائة.
ونحن دولة نامية ومدننا تتمدد سريعا، ولو تم تطبيق ذلك سنجد أنه بعد أعوام قليلة جدا سيصبح هناك نسبة كبرى كلها موطنة، وسيتفاعل ويتضاعف ذلك لأن النجاح للفرد يولد نجاحا مماثلا، وهذا ما يسمى التقليد نتيجة تأثر أفراد المجتمع ببعضهم بعضا.
كذلك لا بد من تسهيلات وإعفاءات متعددة لكثير من المتطلبات لفتح أي مشروع صغير شريطة أن يكون موطنا 100 في المائة، بل الأفضل وجود نماذج حرفية وصناعية وتجارية صغيرة جاهزة للشباب السعودي مع دعم مالي، وهذا الدعم مسترد على مدى أعوام، متى نجحت المؤسسة، وهو دعم نعدّه استثمارا في الإنسان ومردوده أضعاف مضاعفة على الوطن في معاملاته المالية مستقبلا، وبالتالي ليس خسارة مالية أو هدرا ماليا كما قد يتصور البعض.
من جانب آخر، لا بد من تفعيل التوجيه والإرشاد الذي يلعب دوره الإعلام بشتى صوره، إذ إن هذا السلاح مع الأسف معطل في توجيه الشباب إلى الإنتاجية وتقديم تجارب الشباب الناجحة بشكل احترافي ومهني عال، بل من الواجب أن تكون الرسالة الإعلامية برمتها ترتكز على كيفية تحفيز الشباب للإنتاج والعمل وقلة السهر وعدم تضييع الوقت فيما لا فائدة منه، وذلك من خلال البرامج الإعلامية بشتى الوسائل، بل ومن خلال البرامج الرياضية وأي أنشطة مرتبطة بالشباب.
إن مصدر الصعوبة في الحل هو عدم إدراك أن المعضلة ليست في التستر، بل إن المعضلة هي في عدم فهم أسباب التستر التي لن تخرج عن ثلاثة محاور، الأفكار المتداولة في الحل، ومن ينفذ الأفكار الصحيحة من مؤهلين لفهم الهدف وتحقيقه، ومن ثم الأهم الإرادة العليا لمن بيده القرار في ذلك، والأخيرة لا نختلف على أنها متوافرة والحمد الله.
إن هذا النسيج المترابط يبني مع المجتمع أهدافا وطنية يسعى الجميع إلى تحقيقها، لأن هناك قناعة من الجميع بأهمية ذلك في تحقيق رؤية المملكة التي يقودها ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان بتوجيهات من والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ــ حفظهما الله.
وعليه فنحن بحاجة إلى تجديد في الأفكار والرؤية لهذه المشكلة من جوانبها كافة قبل هدم الجدار الذي يستند إليه الوافد ومعه عدد من المواطنين، وليس فقط الشخص الذي تستر على الوافد، وهو مع الأسف أقلهم استفادة في هذه الدائرة الاقتصادية، ودون ذلك فإننا لن نحقق الهدف المنشود، وإن تحقق فإنه بضحايا مالية كبرى على حساب المواطن، وستأخذ العملية أعواما طويلة قبل أن نصل إلى الهدف، وهذا أمر طبيعي في أي مشكلة تحل دون إدراك كامل للتشخيص الصحيح.