Author

التنمية المستدامة وحماية البيئة

|
اعتمد قادة العالم من 193 دولة عام 2015 أهداف التنمية المستدامة SDGs التي تعرف أيضا باسم الأهداف العالمية باعتبارها دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر والجوع ومكافحة مختلف صور عدم المساواة ومعالجة مشكلة تغير المناخ وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع البشر بالسلام والازدهار بحلول عام 2030. وكانت أهداف التنمية المستدامة قد جاءت عقب الأهداف الإنمائية للألفية MDGs التي تم الاتفاق عليها عام 2000 في محاولة حظيت بتنسيق عالمي لمعالجة القضايا الإنمائية، ونتج عنها انخفاض عدد الأشخاص الذين يعانون الفقر المدقع بما يزيد على النصف مقارنة بعام 1990، وزيادة عدد البنات والأولاد الذين يرتادون المداراس الابتدائية أكثر من أي وقت مضى، وأصبح عدد من يحصلون على المياه والأدوية الأساسية أكبر بكثير من قبل. لكن التقدم المحرز بفضل الأهداف الإنمائية للألفية كان متباينا، واليوم لا يزال أكثر من 800 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، فضلا عن كونهم أصبحوا أكثر عرضة للتأثيرات المتزايدة لتغير المناخ والتدهور البيئي.
إن التقدم الذي تحقق بشق الأنفس في مكافحة الفقر على مدار أعوام من العمل الشاق يمكن بسهولة أن تمحوه بعض الصراعات، أو الأزمات الاقتصادية، أو الكوارث الطبيعية حتى الصغيرة منها. وكان التقدم المحرز في كل من دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا ودول جنوب آسيا دائما أقل من المناطق الأخرى. وكان قياس النجاح في الأهداف الإنمائية للألفية قائما على نجاح المتوسطات الوطنية، ومن ثم غالبا ما يغفل عما تحقق على مستوى الفئات المهمشة مثل الأشخاص ذوي الإعاقة ومجموعات السكان الأصليين والمجتمعات الريفية والنساء. وحدث بعد ذلك أن أدرك المجتمع الدولي وجود تحديات جديدة وأن الازدهار البشري يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع جهود حماية كوكب الأرض.
وبعد تعاون مشترك على مدى ثلاثة أعوام، تبنى قادة العالم في النهاية 17 هدفا للتنمية المستدامة تمثلت في إنهاء الفقر، والقضاء على الجوع، وضمان تمتع الجميع بالصحة والرفاهية، والارتقاء بجودة التعليم، والمساواة في الحقوق بين الجنسين، وضمان توافر المياه النظيفة والصرف الصحي للجميع، وتوفير الطاقة المستدامة للجميع، وتعزيز بيئة العمل اللائقة، والتنمية الاقتصادية، وتشجيع الابتكار والبنية التحتية المرنة، والحد من عدم المساواة، وبناء المدن والمجتمعات المستدامة، ونشر أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامين، واتخاذ خطوات عملية بشأن تغير المناخ، والعمل على ضمان سلامة وصحة بيئات المحيطات، وإنشاء النظم الإيكولوجية المستدامة، ونشر السلام والعدالة، وتشجيع الشراكات العالمية.
وهناك أربعة مبادئ أساسية مصاحبة لأهداف التنمية المستدامة، وتعد مبادئ تحويلية في مساعي التنمية في المستقبل. وأول هذه المبادئ أن أهداف التنمية المستدامة أهداف عالمية، وتنطبق على كل دولة غنية أو فقيرة في الشمال أو الجنوب سواء كانت متقدمة أو نامية. وهذه الأهداف وضعت بوعي أن التحديات العالمية مثل معالجة تغير المناخ وتغيير نماذج التنمية تتطلب حلولا عالمية، بل إن السياسات المحلية التي تعالج هذه القضايا في بلد ما سيكون لها تأثير في أجزاء أخرى من العالم، لذلك فهناك حاجة إلى تنسيق عالي المستوى.
وثاني هذه المبادئ: أن أهداف التنمية المستدامة متضمنة لجميع أبعاد الاستدامة، من تنمية اقتصادية وتقدم اجتماعي وحماية بيئية. على سبيل المثال تدعونا هذه الأهداف إلى زراعة ما يكفي من الغذاء لسد حاجة الجميع دون تدمير التربة أو الإضرار بمصادر المياه، وتدعونا إلى تطوير الاقتصادات دون زيادة صور عدم المساواة، وتدعونا إلى إنتاج ما يكفي من الكهرباء لسد حاجة الجميع دون ضخ مزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وثالث هذه المبادئ: أن أهداف التنمية المستدامة شمولية لا إقصائية، حيث تحثنا على عدم التخلي عن أي مجتمع. فقد وافقت الحكومات على عدم عد أي هدف متحققا ما لم يتحقق لدى الجميع بما في ذلك المجتمعات الأكثر ضعفا والأكثر صعوبة في الوصول إليها. لذلك يجب أن يصل التعليم إلى مجتمعات السكان الأصليين، وتتاح الوظائف للنساء والرجال على حد سواء، وتكون الرعاية الصحية الجيدة متاحة لجميع المجتمعات الريفية، وتصبح مرافق المياه والصرف الصحي سهلة الاستخدام للأشخاص ذوي الإعاقة. ولا شك أن معالجة مشكلة الإقصاء هي مفتاح معالجة عدم المساواة.
وأخيرا رابع هذه المبادئ: وهو أن أهداف التنمية المستدامة تتطلب مشاركة الجميع. وقد استغرقت عملية أخذ الموافقة على أهداف التنمية المستدامة أعواما وشملت حوارات وطنية، ومشاورات مع مجموعات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والأوساط الأكاديمية، وانتهت عبر مفاوضات بين جميع الحكومات في الأمم المتحدة، لذلك ينتاب الجميع شعور قوي بملكية هذه الأهداف. واليوم يتطلب تنفيذ أهداف التنمية المستدامة المشاركة المستمرة على المستويين الوطني والمحلي. ويقع على عاتق جميع أصحاب المصلحة أدوار مختلفة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بنجاح. وتوفر أهداف التنمية المستدامة جنبا إلى جنب مع اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ إطارا جديدا لمقاربة قضية التنمية المستدامة.
إنشرها