مذبحة أمريكية «1من 2»

في الـ 23 من نيسان (أبريل) عام 2020، تجاوزت الولايات المتحدة عتبة الـ 50 ألف حالة وفاة مؤكدة بسبب فيروس كورونا "كوفيد - 19"، ما يجعلها المنطقة الأشد تضررا في العالم. يعادل عدد سكان الولايات المتحدة نصف عدد سكان أوروبا القارية، لكنها تسجل ما يعادل ثلاثة أرباع عدد الوفيات اليومية هناك.
لست اختصاصيا في علم الأوبئة. لكن إذا كان علي أن أخمن، فربما يمكنني أن أقول إن الرقم الحقيقي، بعد التصحيح بما يعبر عن حالات الوفاة غير المسجلة نتيجة عدم الإبلاغ عنها على الوجه الصحيح، أقرب إلى 75 ألفا. من ناحية أخرى، نجحت دول أخرى في وضع العدد اليومي من حالات الإصابة الجديدة على مسار هابط، وإذا استمرت في ذلك المسار، فستصل هذه الدول في غضون بضعة أشهر إلى النقطة التي يمكنها عندها الإبقاء على الفيروس تحت السيطرة بشكل أو آخر من خلال الاختبارات اليقظة، وتتبع المخالطين، وتدابير العزل.
اعتبارا من يوم الـ 28 من نيسان (أبريل)، انخفض عدد الوفيات اليومي بسبب "كوفيد - 19" في إيطاليا وإسبانيا من أكثر من 700 إلى نحو 350. ويبدو أن ألمانيا، وكندا، وتركيا تقترب من تحقيق مثل هذا الانخفاض، مع أقل من 200 حالة وفاة يوميا. ويبدو أن حصيلة الوفيات اليومية في إيرلندا من غير المرجح أن تتجاوز 60 في الوقت الحالي. ويبلغ عدد الوفيات في اليابان نحو 20 يوميا، وفي النمسا نحو 12، وفي الدنمارك نحو 10. وتشمل الدول حيث لا تتجاوز حصيلة الوفيات اليومية خانة الآحاد: النرويج واليونان "أربع وفيات"، وأستراليا "ثلاث وفيات"، ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية. ولا أحد يموت في هونج كونج.
أما عن الولايات المتحدة، فقد ظلت الحالات المؤكدة الجديدة يوميا عند نحو 30 ألفا لمدة ثلاثة أسابيع الآن، في حين راوحت اختبارات "كوفيد - 19" التي تجرى يوميا حول نحو 150 ألفا "مع تأكيد إيجابية 20 في المائة من هذه الاختبارات تقريبا على نحو ثابت". وعلى هذا يبدو أن الولايات المتحدة نجحت في إيقاف تسارع الوباء داخل حدودها: حيث لم يعد متوسط عدد الحالات الجديدة الناشئة عن كل فرد مصاب بالعدوى.
لكن النسبة ليست أقل من 1 حتى الآن. لذا، بدلا من أن يتلاشى، يتقدم انتشار الوباء بوتيرة ثابتة.
في غياب اللقاح، تشير تقديرات علماء الأوبئة إلى أن نحو 70 في المائة من الأمريكيين "230 مليون نسمة" يجب أن يصابوا بالعدوى قبل أن يكتسب السكان مناعة القطيع. وإذا تبين أن حصيلة الوفيات نتيجة الفيروس تعادل نحو 1 في المائة من المصابين، فإن حصيلة الوفيات في نهاية المطاف لن تكون 50 أو 70 ألفا، بل 2.3 مليون. وهذا على افتراض أن نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة قادر على الصمود تحت وطأة الحالات الجديدة. إذا لم يكن قادرا، فسيرتفع معدل الوفيات من 1 في المائة، لكن إلى أي مستوى؟ 2 في المائة؟ 3 في المائة؟ 5 في المائة؟ إذا كانت النسبة 3 في المائة، فإن حصيلة الوفيات النهائية على مستوى الولايات المتحدة ستكون نحو سبعة ملايين.
في المقابل، إذا كان الوباء في انحسار، فيمكننا أن نبدأ التخطيط لما يلي عمليات الإغلاق على مستوى المجتمع: الاختبارات الجماعية الشاملة للفيروس والأجسام المضادة لتحديد من أصبح محصنا بالفعل. وربما يمكن إعطاء من يتبين أنهم مقاومون للمرض أربطة معصم خضراء أو شكل ما من أشكال الرموز الرقمية. ويمكن تكليفهم بأعمال أساسية تنطوي على الاتصال بالبشر، في حين يبقى أولئك الذين ما زالوا عرضة للإصابة بالعدوى في منازلهم، ويرتدون أقنعة الوجه في الأماكن العامة ويحافظون على مسافة ستة أقدام بعيدا عن الآخرين، ويغسلون أيديهم ويمسحون الأسطح بانتظام، وما إلى ذلك.
في هذه المرحلة المقبلة، ربما يبدأ تعافي تشغيل العمالة والاقتصاد، مع الإبقاء على عدد حالات الإصابة الجديدة منخفضا. سيمثل فيروس كورونا دائما مأساة لأحباء المتوفين، لكن على المستوى الكلي، سيصبح الفيروس أقرب إلى سبب للانزعاج - خطر يجب الإبقاء عليه عند أدنى مستوى ممكن إلى أن يصل اللقاح... يتبع.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي