Author

معركة البلاستيك والحملات البيئية

|


هناك علامات استفهام حول مستقبل صناعة البلاستيك بشكل عام، مع ارتفاع الحملات البيئية ضدها. لكن تبقى هذه الصناعة مزدهرة في هذا الوقت، حتى في ظل هذه الحملات التي بلغت حدا أن صارت جزءا رئيسا من برامج الأحزاب في الدول المتقدمة، في إطار سعيها لجذب أصوات أولئك الذين يتحركون من أجل حماية البيئة. بالطبع ينجح أنصار البيئة في تخويف المجتمعات بين الحين والآخر، ويبدو واضحا أنهم يحظون بآليات إعلامية منتشرة ومتعددة، في حين أن الطرف الآخر لا يحظى بمثل هذه الآليات، فضلا عن الكراهية المجتمعية المتصاعدة لشركات صناعة البلاستيك والمواد المشابهة له. ويبدو أيضا واضحا، أن الحملات ستتواصل ضد هذه المادة التي صارت جزءا لا يمكن الاستغناء عنه في أي مجتمع كان.
ورغم كل هذه الحملات، هناك نشاطات جديدة في صناعة البلاستيك، ولا سيما في الولايات المتحدة، التي تمضي قدما في هذه الصناعة معتمدة بالدرجة الأولى على الوقود الصخري. وهذه الصناعة بشكل عام يمكنها أن توازن بين تراجع الطلب على النفط والفائض الموجود عالميا. دون أن ننسى أنه في زمن تباطؤ النمو يتراجع الطلب على النفط حول العالم. والأسابيع الماضية قدمت مثالا على ذلك في أعقاب انفجار فيروس كورونا وآثاره في حراك الاقتصاد العالمي، فضلا عن بدء تراجع الطلب (ولو بصورة طفيفة) على السيارات التي تعمل بالوقود التقليدي، في إطار التشجيع الذي لا يتوقف للسيارات الكهربائية. ولا شك في أن الحملات ضد البلاستيك تحقق أهدافا سريعة، بعد أن ضمنت لنفسها الاستمرارية.
في ولاية بنسلفانيا الأمريكية الأمر مختلف، حيث شهد انطلاق بناء أكبر مصنع للبلاستيك في البلاد، بل هو الأكبر على صعيد الاستثمار في هذه الولاية منذ الحرب العالمية الثانية. وإنتاج هذا المصنع سيكون كبيرا، حيث سيصل إلى 1.6 مليون طن من الحبيبات التي تباع لشركات التصنيع سنويا. وهذه القدرة أولية للمصنع المشار إليه، أي أنه من الممكن أن ترتفع في وقت لاحق. بالطبع هذه الحبيبات تدخل في صناعة كثير من المنتجات، من بينها البلاستيك بكل أشكاله التصنيعية، فضلا عن أثاث الحدائق وأشرطة التغليف، وغير ذلك من منتجات لا يمكن الاستغناء عنها حتى لو تم منع البلاستيك نهائيا. ويبدو واضحا أن الساحة الأمريكية تشهد نموا كبيرا في هذا القطاع الحيوي، سيتعزز في العقد الحالي.
فطبقا للمجلس الكيميائي الأمريكي، فإن حجم الإنفاق على البلاستيك ومشتقاته، بلغ خلال العقد الماضي أكثر من 200 مليار دولار. وتعهدت شركات نفطية كبرى بالاستثمار في هذا المجال، بما فيها شركات ليست أمريكية. والسبب الرئيس من هذه التوجهات السريعة، أن هذه الجهات ترغب في الاستفادة من ارتفاع مستوى إنتاج النفط الصخري في أمريكا الشمالية. لا شك أن "المعركة" ستتصاعد ضد منتجات البلاستيك بشكل عام في المرحلة المقبلة، لكن يبدو أن الشركات والمؤسسات الكبرى، تعرف أن هذه "المعركة" لن تؤثر في حراكها المتصاعد في ميدان البتروكيماويات عموما، وإلا ما كانت لتستثمر أموالا هائلة.
لكن بلا شك لن تمضي هذه الشركات قدما بعيدا عن التجاذبات مع الجهات التي تتصدر حراك حماية البيئة، دون أن ننسى، أن الحكومات في الدول الأوروبية باتت منقادة لهذه الحملات، لأسباب سياسية لا دخل لها بالبيئة.

إنشرها