التعليم والتدريب .. تكامل لا تنافر

التعليم والتدريب ..  تكامل لا تنافر

الاستثمار في مجال التعليم يحظى بتشجيع من أجهزة الدولة المعنية بتنفيذ سياسة الدولة التعليمية. ومع ذلك فإن التوجه نحو تحويل المعاهد الثانوية الخاصة التي عملت وتعمل لأجل تحقيق أهداف الدولة التعليمية إلى مجرد معاهد للتدريب يأتي في خضم الاهتمام الرسمي بمسألة التدريب، وهي مسألة على قدر كبير من الأهمية، ولكن يجب عدم الخلط بين متطلبات التعليم الثانوي وتشجيع تلك المعاهد الخاصة على الاستمرار في تحقيق أهدافها، وبين أمر آخر لا يصح أن يطغى على كامل التوجه، فيحول تلك المعاهد إلى مجرد مراكز للتدريب.
لقد ناقش مجلس الشورى تقريرين للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وكانت الملاحظات تتركز على أن هناك قصوراً في مخرجات التعليم، ما يوجب أن يكون هناك اهتمام يعطي لتنمية المهارات وتطوير القدرات قدراً من العناية التي تناسب احتياجات سوق العمل. والحقيقة أن ملاحظات مجلس الشورى تؤكد أنه يجب تركيز بعض جهود المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني في مجال التدريب الذي سيكون له أثر كبير في توفير فرص عمل تناسب احتياجات سوق العمل، ولكن مجلس الشورى لم يقل أو ينصح بتحويل المعاهد الثانوية الخاصة إلى مراكز للتدريب، لأن ذلك يتعارض مع سياسة الدولة التعليمية التي تعطي الفرصة للاستثمار في ميدان التعليم وفق سياسة ثابتة تم العمل بها منذ فترة طويلة وفي ظلها تم إنشاء معاهد خاصة تعمل تحت إشراف المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وتوجيه استثمارات ضخمة في هذا الميدان ولا بد من استمرارها، لأنها تحقق أهداف المؤسسة العامة التي اشتق اسمها من التعليم والتدريب.
إن قرار مجلس الوزراء لم ينص على إلغاء أو تحويل المعاهد الثانوية الخاصة إلى معاهد للتدريب، فالقرار أورد تطوير المعاهد الثانوية الخاصة. والتطوير يعني إبقاءها من حيث وجودها كمنشآت. والتطوير يتحقق بإدخال تعديل على المناهج المقررة بحيث يتم إدراج مواد تهتم بتطوير مهارات الدارسين مثل أعمال السكرتارية، اللغة، والحاسب الآلي، وغير ذلك من المهارات التي لاحظ مجلس الشورى أنها يجب أن يتم وضعها كأهداف أساسية، ليس في المعاهد الثانوية فقط، بل بشكل عام بحيث تكون ضمن اهتمامات المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني.
لقد أكد المختصون أن هناك مهارات إدارية وفنية ومهنية تحتاج إليها سوق العمل، خصوصاً في القطاع الخاص الذي يبحث عن الموظف أو العامل الذي يستطيع إنجاز أهداف المنشأة بما لديه من مهارات وقدرات اكتسبها قبل التحاقه بالعمل وهي تعتبر مهارات أساسية، بل شرطا للتوظيف وهذا غير مقتصر على خريجي المعاهد الثانوية الخاصة، بل ينطبق ذلك وأكثر على خريجي الجامعات السعودية من حملة شهادات البكالوريوس والليسانس وفي مختلف التخصصات العلمية. كل ذلك لا يبرر تحويل المعاهد الثانوية الخاصة إلى مجرد مراكز للتدريب، فهذا لن يحقق الهدف، بل يؤدي إلى حرمان التعليم من معاهد ذات خبرة لا يمكن تجاوزها من جانب وبالإمكان تطويرها وفق قرار مجلس الوزراء وملاحظات مجلس الشورى.
إن القانون يعطي الحلول الصحيحة لتفعيل قرار الجهات العليا. ومع ذلك فإن الحل المنطقي يأتي في سياق الفكر القانوني السليم الذي يفرض الإبقاء على المعاهد الثانوية الخاصة وتطويرها من خلال تبني المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني مواد علمية وتطبيق عملي لتطوير المهارات والقدرات وإلزام تلك المعاهد بها وبذلك يتحقق الهدف المنشود، وهو هدف لن يتحقق بمجرد تحويل تلك المعاهد إلى مجرد مراكز للتدريب الذي لا يسمح فيه الوقت ولا آلية التدريب بتحقيق أي مخرجات، فالمعاهد الثانوية الخاصة يمكن تطويرها مع المحافظة عليها لتكون سنداً للهيكل التعليمي الذي يجب أن يجمع بين التعليم والتدريب.

الأكثر قراءة