"ابتسم".. أنت في وطنك

"ابتسم".. أنت في وطنك

آخر الأسبوع الماضي أنهى مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة اجتماعه الثالث عشر بإقرار توصيات وصفها سمو أمين عام الهيئة الأمير سلطان بن سلمان بأنها تهدف إلى الانتقال من مرحلة التخطيط والاستراتيجيات إلى التنفيذ والاستثمار. وللحقيقة فإن مهمة الهيئة العليا للسياحة صعبة دون شك. ليس لأن السعودية بلد فقير في بيئته السياحية, وليس لأن الموارد المالية شحيحة, وليس لأن المواطنين عازفون عن العمل في قطاع السياحة أو حتى عن التفاعل مع إنجازاتها بالإفادة منها وإفادتها في الوقت نفسه.
ليس مما ذكر أعلاه مما يدخل في نطاق المصاعب التي تواجهها الهيئة العليا للسياحة, ما يواجه الهيئة هو أنها بالفعل تبدأ عصرا جديدا أو توجها لم يكن ضمن مفردات التنمية على مدى السنوات الماضية, مهمة تتشابه مع بداية التخطيط للتنمية نفسها وانخراط البلاد آنذاك في منظور شامل يوظف البرامج والمشاريع الأساسية على مستوى القطاعات مشتبكا مع كل مناطق المملكة مدنا وقرى.
هذا المنظور الشامل يجعل من خطوات الهيئة التنفيذية والاستثمارية التي أشار إليها سمو أمين عام الهيئة العليا للسياحة غير متوفقة على استعداداتها هي وعلى مبادراتها وحدها, فعلى نحو ما ذكره سموه ثمة علاقات عملية وإجرائية منوطة بأجهزة حكومية عديدة وبالقطاع الخاص أيضا.
ها هنا تكمن الصعوبة, ففي جعبة الهيئة مسرح بيئي مكاني ثري للاستثمار وفي جعبتها استراتيجية وتشريعات وأنظمة ولوائح وفرق عمل مجندة لخدمة المستثمرين في هذا القطاع, بل وفي جعبتها خلق كوادر بشرية ذات دراية ومهارات عالية في صناعة السياحة, سواء عبر مقاعد الدرس أو الدورات على رأس العمل أو من خلال المؤتمرات والندوات والدورات في الخارج, الصعوبة إذا مصدرها هذا التكريس مقابل ما تنتظره الهيئة من إقبال أقطاب القطاع الخاص الوطني بالدرجة الأولى والأجنبي معه للاستثمار في السياحة.
هذا التقابل لا يعني أن المستثمر السعودي يجد نفسه عازفا عن المشاركة استثماريا في صناعة السياحة السعودية لكنه حتما مازال يتلمس طريقه بحكم أن ذلك خلق جديد في بنية الاقتصاد الوطني وثقافة العمل والتسويق تماما مثلما كان الأمر في انطلاقات عمليات التنمية الأولى، فقد كان السعوديون في مجال صناعة الاستثمار التنموي يوازنون بين خبرتهم غير المتوافرة آنذاك وبين إغراءات الاستثمار ومكاسبه وأرباحه التي كانت تبدو ثرية وجاذبة, لكنهم كانوا يفاضلون بين هذا المجال أو ذاك.
صحيح أن خبرة استثمارية سعودية قد أصبحت الآن تقليدا وميراثا مكتسبا يعطي نتائجه في كثير من قطاعات الإنتاج والخدمات. إنما الأصح أن قطاع السياحة الذي تتطلع هيئة السياحة إلى جعله موردا اقتصاديا أساسيا أولويا في مكونات الناتج المحلي الإجمالي الوطني يتطلع هو الآخر إلى مبادرات رجال الأعمال للتحرر من تحفظهم وتخوفهم من أن السياحة الداخلية قد لا تنافس السياحة الخارجية وأن التكاليف لن توازي العناء والأرباح.
هذا تصور تدحضه تجربة السنوات القليلة الماضية، فعلى الرغم من أن البنية السياحية ما زالت في طور النمو، وعلى الرغم من أن الإدارة الإعلامية والثقافية الخاصة بالسياحة تجرب نفسها في إيجاد خطاب إعلامي ثقافي سياحي مؤثر وتعمل على تزويد نفسها بالطاقات البشرية المملوءة حماسا وخبرة, على الرغم من كل ذلك, فقد كانت المناطق السياحية في السهول والشواطئ والجبال والصحارى تشهد إقبالا يثير الإعجاب ويفتح الشهية على أوسع أبوابها للاستثمار في القطاع السياحي الوليد.
وفي ظننا أن ما تدفع به هيئة السياحة من إثراء للمكان والبنية الأساسية للسياحة مرافق وخدمات وفعاليات لا يخفى على أحد, خصوصا وهي تطرق أبوابا حضارية ذات علاقة بالمستجدات في عالم السياحة في النطاق الدولي, يمكن أن نشير إليه في اهتمامها بالشباب وهواياتهم كالراليات مثلا, علاوة على الأنشطة الفنية والثقافية.
هذا المزج الحضاري بين المكان والإنسان والإبداع في إطار التخطيط والإصرار على خلق صناعة سياحية رائدة في بلادنا جهد عملي فذ تجدر به حقا تلك (الماركة) السعودية المسجلة المتمثلة في برنامج الهيئة العليا للسياحة المختصر بـ "ابتسم" الكلمة الساحرة التي تمتليء بنوازع الخير والتفاؤل, بل بإشراقة روحية لصباح وطن هو ملء القلب والسمع والبصر, ترسمها الهيئة العليا للسياحة بكل حدب المحب ومثابرة المخلص لجعل الحلم حقيقة.. مع أن للحلم حقائقه التي أصبحت نشيدا رجع صداه من البحر إلى البحر, لكن من حقنا أن نحلم بوطن سياحي يترنم بثرائه السياحي العالم, كما يترنم بمكانته الروحية والتنموية اليوم.

الأكثر قراءة