رشة ملح
يميل البشر إلى الإيمان بوجود أشياء خارقة وسحرية، ما يدفعهم إلى اختراع وتصديق كثير من الخرافات، ومنها رش الملح، ومسك الخشب، ولبس وتعليق الخرزة الزرقاء والتشاؤم من بعض الأرقام والحيوانات والطيور والتبرك بأخرى. ومن الخرافات التي شاعت التبرك بالملح ورشه في الزوايا لطرد الشياطين أو تبخير المنزل به فما الحكاية ولماذا الملح بالذات؟!
عد الملح منذ القدم سلعة ثمينة لندرته وصعوبة استخراجه عن طريق الرواسب الملحية أو من مياه البحر لدرجة أن الرومان استخدموه عملة، حيث كان يتم دفع رواتب العمال بالملح، ومنه اشتقت كلمة "سلاري" التي تعني راتبا بالإنجليزية. واستخدمه المصريون القدماء في عمليات التحنيط التي تميزوا بها، ومادة حافظة للمواد الغذائية!
ونظرا لندرة هذه المادة وكونها سلعة لا يستطيع أغلب الناس تحمل تكلفتها، كان ينظر لتسربها وفقدانها أنهما حادثة كارثية.
ليصبح الملح فيما بعد رمزا للازدهار والرفاهية، لدرجة أن الناس أصبحوا يقدمونه هدية للمتزوجين حديثا أو أولئك الذين انتقلوا إلى مسكن جديد، كهدية سخية جدا ولضمان حصولهم على الثروة في المستقبل.
وتم الربط بين الملح والازدهار نتيجة لما لاحظه الناس على من كانوا يعملون في تعدين الملح واستخراجه والمتاجرة به وكسبهم ثروات طائلة.
وأكبر مثال على ربط الناس الازدهار والتدهور بالملح ما حدث لمدينة بروفاديا في بلغاريا التي تعد من أوائل المدن التي تأسست في أوروبا قبل 1500عام أي مع بداية الحضارة اليونانية، حيث ازدهرت لفترة ثم تدهورت فيما بعد بسبب الملح!
ازدهرت المدينة وانتعش اقتصادها وجمع سكانها ثروات طائلة بسبب عملهم في تجارة الملح، لكن عندما توقف إنتاج الملح في هذه المدينة، انهارت وأصبحت مدينة فقيرة ما دفع سكانها إلى الهجرة منها! لذلك لا عجب من ظهور هذه الخرافة التي تعتقد أن تسرب الملح دليل على الفقر في المستقبل.
وعندما لاحظ القدماء خصائصه الفيزيائية التي تميزه عن غيره من المواد التي عرفت في ذلك الوقت منحوه صفة القداسة، حيث كان يذوب عند وضعه بالماء وعندما يتبخر منه الماء يعود إلى صلابته!
لذا استخدموه وسيلة للتطهير بخلطه مع الماء المقدس. لا يزال هذا التقليد يستخدم في الكنيسة الكاثوليكية حتى هذا اليوم، حيث كان يعتقد أن تسرب الملح قد يوجد ثغرة في روح الفرد الأمر الذي يجعله أكثر عرضة للتأثيرات الشريرة. كما يقومون برميه على الكتف الأيسر للوقاية من الحظ السيئ ولطرد الأرواح الشريرة لاعتقادهم أن الأرواح الشريرة تسكن فوق الكتف اليسرى للشخص! وهذا كله خرافة وخزعبلات، لا يمكن أن يصدقها ذو عقل ودين.