FINANCIAL TIMES

رياح خارجية معاكسة تعصف بقطاع رقائق الذاكرة الكوري

رياح خارجية معاكسة تعصف بقطاع رقائق الذاكرة الكوري

في مصنع سيوكوانج هاي تيك Seokwang Hi Tech، الذي يقع في الضواحي الجنوبية لسيئول، لا يزال نصف خطوط الإنتاج التي تصنع أجزاء من معدات أشباه الموصلات في حالة خمول.
قبل عام حصلت الشركة على قرض مصرفي بقيمة مليار وون (860 ألف دولار) لتوسيع منشآت الإنتاج والاستفادة من الطلبات المزدهرة. لكن طفرة الازدهار التي عاشتها رقائق ذاكرة الكمبيوتر على مدى عامين انقلبت وبدأت الأسعار في الانخفاض في أواخر العام الماضي.
"سيوكوانج هاي تيك" التي تكافح أساسا من أجل سداد مدفوعات الفائدة، اضطرت إلى التخلي عن 30 في المائة من قوتها العاملة لانخفاض المبيعات بنسبة 50 في المائة هذا العام.
رئيس الشركة، لي دو وون، قال "يتحدث الناس عن الانتعاش في النصف الثاني، لكنني لا أرى أي علامات حتى الآن"، وتوقع أن تنخفض مبيعات العام الكامل إلى النصف، أي نحو مليار ون.
وأضاف: "لست متأكدا من مدة تحمل التباطؤ التي ستكون شركتنا قادرة عليها. قد اضطر إلى التفكير جديا في إغلاق المصنع إذا لم تتحسن الأمور بحلول نهاية العام المقبل".
"سيوكوانج" ليست المتضررة الوحيدة. تأثرت بشكل كبير أيضا كثير من شركات الإلكترونيات الصغيرة في كوريا الجنوبية من الركود الدوري في قطاع شرائح الذاكرة، الذي تفاقم بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وضوابط التصدير على "هواوي"، شركة الاتصالات الصينية التي كانت مشتريا رئيسا للرقائق.
الإحساس بالأزمة في سلسلة التوريد المحلية يتزايد مع تقليص عملاء كبار مثل "سامسونج" و"هينكس إس كيه" SK Hynix طاقتهم الإنتاجية بسبب عدم اليقين المتزايد.
أزمتهم هذه تشير إلى أن التراجع التكنولوجي أسوأ مما يدركه كثيرون، إذ تؤخر السياسة العالمية تعافي دورة الرقائق، في حين تراجعت الأسعار أكثر من المتوقع.
قال كيم يونج وو، محلل لدى "إس كيه" للأوراق المالية: "الحرب التجارية وقضية هواوي يشوهان العرض والطلب ويكدسان مخزونات الرقائق بشكل عام".
ويرى محللون أن ارتفاع المخزونات سيؤدي إلى زيادة ضغوط الأسعار على الموردين في النصف الثاني من العام. وتتوقع شركة البيانات "آي إتش إس ماركت" IHS Markit حدوث أسوأ تباطؤ في الصناعة منذ عقد في هذا العام، وأن تنخفض مبيعات صناعة الرقائق الدقيقة العالمية 7.4 في المائة إلى 446.2 مليار دولار هذا العام. 
وتتوقع شركة أبحاث السوق "آي سي إنسايت" IC Insights أن يكون معظم منتجي أشباه الموصلات "محافظين للغاية" في إنفاقهم الرأسمالي العام المقبل، في ظل ظروف السوق السيئة هذا العام.
وذكر "مورجان ستانلي" في تقرير صدر أخيرا أنه "يستبعد على نحو متزايد انتعاش الطلب في النصف الثاني"، مشيرا إلى أن "المخزونات لدى المنتجين آخذة في الارتفاع في الربع الثالث صعودا من مستويات قياسية".
وتشكل مستويات المخزونات المرتفعة مصدر قلق كبير للموردين إذ تقلل الحملة الأمريكية ضد شركة هواوي من الطلب على الرقائق. وتعتبر "هواوي" أحد أكبر عملاء قطاع التكنولوجيا الكوري، بشرائها ما قيمته نحو 80 ترليون ون من مكونات أشباه الموصلات سنويا.
ويقدر المحللون أن "سامسونج" و"هينكس إس كيه"، أكبر شركتين في صناعة رقائق الذاكرة في العالم، تسوقان نحو 5 إلى 15 في المائة من مبيعاتهما إلى "هواوي".
"وقد تؤدي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى تجميد الطلب بسرعة في النصف الثاني من هذا العام"، وفقا لمذكرة صادرة عن "درام إي إكستشينج" DRAMeXchange، شركة استشارية تراقب أسواق رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية التي تساعد الأجهزة على أداء عديد من المهام، ورقائق NAND التي تتيح تخزين بيانات على المدى الطويل.
وأضافت: "بالنسبة لعام 2019، يخشى أن يتعرض الموردون لضغط مطول لخفض أسعارهم".
ضغط التسعير المتزايد يقلق الشركات ناشئة في مجال التكنولوجيا، مثل "كيو إس تاج" QS TAG، التي توفر معدات لشركة أمريكية مصنعة لأشباه الموصلات. قال لي دونج هون، رئيس الشركة: "عميلنا يطلب تخفيضات حادة في الأسعار، بينما يضيق حزام بنطاله حول معدته. لكن هوامشنا منخفضة أساسا، لذا لست متأكدا من كيفية التعامل مع هذا".
التباطؤ التكنولوجي والحرب التجارية يؤثران في الأداء الاقتصادي لكوريا الجنوبية، في وقت يتم فيه دمج الشركات المصنعة بشكل كبير مع سلاسل القيمة العالمية. وتقلص الاقتصاد الكوري الجنوبي بشكل غير متوقع في الربع الأول، إضافة إلى انخفاض الاستثمارات الخاصة في منشآت الإنتاج 20 في المائة عاما بعد عام.
وكالة فيتش للتصنيف الائتماني خفضت أخيرا توقعاتها للنمو الخاصة بالاقتصاد الكوري إلى 2 في المائة هذا العام، إذ من غير المرجح أن تنتعش أسعار شرائح الذاكرة، أحد أكبر منتجات التصدير في البلاد خلال الأشهر الستة المقبلة.
لا توجد خيارات كثيرة أمام الموردين الصغار للتعامل مع الرياح المعاكسة الخارجية المتزايدة. على الرغم من أن ضعف العملة المحلية يساعد المصدرين، إلا أن الشركات تقول إن مكاسب العملات الأجنبية لن تكون كافية للتعويض عن ضغوط الأسعار المتزايدة. الوون الكوري يحوم حول أضعف نقطة له أمام الدولار منذ أوائل عام 2017.
تشوي وون تشانج، رئيس "آي.دي.إف"، مصنعة قطع غيار تولد نحو 30 في المائة من المبيعات من خلال الصادرات، قال: "في الواقع، سعر الصرف هو شاغلنا الأكبر لأن علينا شراء المواد المتعلقة بأشباه الموصلات بالدولار. لكن زبائننا يطالبون بتخفيض الأسعار، مشيرين إلى ضعف الوون الكوري، ما يقلص هوامشنا أكثر".
بشكل وقائي، أخذ تشوي قرضا في أيلول (سبتمبر) الماضي لتأمين أموال تشغيلية كافية لأنه يتوقع استمرار الحرب التجارية في العامين المقبلين، ما يجعل بيئة الأعمال غير مواتية.
قال "من المرجح أن تزداد الأمور سوءا. لكن ليس هناك شيء كثير يمكن للشركات الصغيرة مثلنا فعله حيال ذلك، عدا الاقتصاد في التكاليف لتجنب الإفلاس".
 

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES