أرسل «اللوكيشن»
حين تجتمع الأمهات فإن بعض أحاديثهن تدور حول الأبناء الذين يتبرمون من طلبات أهاليهم ويتثاقلون الذهاب بهم لمشاوير الأسواق والزيارات وغيرها، وبما أننا مقبلون على عيد الفطر المبارك فأتوقع أن تشتد الأزمة بين الأهل والأبناء حول هذا الأمر خصوصا في المدن التي ترتفع فيها زحمة السيارات ويستغرق المشوار ثلاثة أضعاف وقته المعتاد.
في هذا العصر الذي نعيشه الذي أصبح يعتمد بشكل كبير على التقنية والتطبيقات الذكية من المتوقع أن تبرز مثل هذه المشكلة ومشكلات أخرى ستوجد لنا أجيالا اتكالية قد تتبرم يوما ما حتى من الجهد الذي تبذله حين تمضغ الطعام. كل شيء في هذا العالم له وجهان مظلم ومشرق، واندفاع الناس للسير في الطريق المشرق سيجعلهم يتناسون وجود طريق مظلم قد تدفعهم الظروف يوما ما إلى سلوكه. التطبيقات الإلكترونية الحالية تختصر لك كثيرا من الوقت والجهد و"اللفلفة" في الأسواق وتتيح لك خيارات متنوعة وأسعارا تنافسية كل ذلك وأنت مرتاح في أريكتك تتناول قهوتك وتنعم بهواء المكيف اللطيف، لقد أصبح بإمكانك الآن أن تختار ملابسك وأحذيتك وحقائبك وكتبك وإكسسواراتك ومشوارك الذي ترغب في الذهاب إليه وأثاث منزلك وطعامك المفضل وحتى "مقاضي البيت" من خلال الدخول على أحد هذه التطبيقات "وأكلف" ما عليك فعله أن ترسل "اللوكيشن" فيأتيك الطلب إلى باب منزلك مع ابتسامة لطيفة من المندوب. رغم كل إيجابيات هذه التطبيقات العصرية إلا أن أسوأ نتائجها أنها صنعت أجيالا اتكالية تتثاقل المشاوير وتتبرم من طلبات الأهل وتفضل الراحة والاسترخاء على الحركة والنهوض، كما أن التعامل مع هذه التطبيقات بشكل متواصل سيضعف علاقات التواصل الاجتماعي بين الناس فأنت حين تذهب شخصيا إلى السوق ستتعامل مع البائع وبقية المتسوقين وتلتزم بالآداب العامة والطابور وتختبر قدرتك على الابتسام والتسامح واللقاء بشرائح مختلفة من الناس ومواقف عابرة ربما كانت ستترك أثرا في روحك وهذا ما تلغيه التطبيقات الذكية.
لا ننكر أهمية هذه التطبيقات في تسهيل كثير من أمور حياتنا لكن الاعتماد عليها بشكل كلي وتام له سلبياته على المدى البعيد فأنت تحصل عل بضائع تنافسية ترضي ذوقك دون أي جهد مبذول منك سوى الاختيار والدفع وإرسال "اللوكيشن"، لكن في المقابل أنت تخسر جمال مشاركة اللحظة مع أهلك وأطفالك وثواب إرضاء والديك وجبر خواطر أخواتك.
من أقسى الأمور أن تطلب الأم سيارة توصيل من أحد هذه التطبيقات في حين أن زوجها وأبناءها موجودون في المنزل وكأن أمرها لا يعنيهم.. والله عيب!