Author

المراجعون والشفافية في الحسابات

|


كان مراجع الحسابات في السابق يقدم تقريره وخلاصة عمله في صفحة أو صفحتين، ويستعرض مع إدارة الشركة ومسؤولي الحوكمة في اجتماعات مغلقة أهم النقاط التي تعرض لها أثناء المراجعة دون آلية محددة أو موحدة، حسب الأسلوب المتبع لديه ولدى فريقه. اليوم، وبموجب معايير المراجعة الدولية يقدم المراجع مزيدا من التفاصيل. تحديدا، يستعرض في جزئية إضافية في تقريره الذي يقدمه للشركات المدرجة معلومات مهمة عن المهمة المنجزة، كانت هذه المعلومات في السابق تعد من أسرار عملية المراجعة، وقد تتاح للإدارة أثناء سير عملية المراجعة، لكنها اليوم تتاح لجميع قارئي القوائم المالية وقارئي تقرير المراجع المرفق بها. تسمى هذه الجزئية "أمور المراجعة الرئيسة" Key Audit Matters وهي عبارة عن ملخص يبنى على تقييم المراجع لمخاطر المراجعة ومخاطر التحريف في القوائم المالية وكيفية قيامه بإجراءات المراجعة للتعامل مع هذه المخاطر، مثل فهم أنظمة الرقابة الداخلية وتقييم السياسات المحاسبية والحصول على الأدلة التي تساند النتائج التي توصل إليها.
في زيارة عشوائية لبعض التقارير التي صدرت خلال الأيام الفائتة سأستعرض بعض هذه النقاط كأمثلة حية لأمور المراجعة المهمة التي توصل إليها مراجعو القوائم المالية في سوقنا المحلية. سأبدأ بتقرير إحدى شركات الأسمنت التي ذكر فيها المراجع ضمن "أمور المراجعة الرئيسة" نبذة عن المخاطر المتعلقة بتقييم الممتلكات والآلات والمعدات، التي تتمثل في وجود مخاطر انخفاض في القيمة القابلة للاسترداد، مقارنة بصافي القيمة الدفترية "أي تضخم قيمتها الدفترية مقابل قيمتها العادلة بعد طرح تكلفة بيعها افتراضا، أو قدرتها على تحقيق تدفقات نقدية في الفترة المقبلة". وفي قطاع يعاني انخفاض المبيعات، تتعرض الآلات والمعدات لمثل هذه المخاطر. يضيف مراجع الحسابات مختصرا سريعا عن الإجراءات التي قام بها للتحقق من وجود انخفاض من عدمه، حيث قام بفحص إجراءات الإدارة ذات العلاقة، وإجراءات الرقابة المرتبطة بالموضوع ذاته، وقام بالحصول على دراسة حول مؤشرات الانخفاض واستخدم المختصين للقيام باختبارات افتراضية للتحقق من عمل الإدارة في هذا الشأن، وراجع محاضر اجتماعات الشركة للتأكد من القرارات ذات العلاقة. وهكذا، يزداد مستوى الشفافية المتاح لقارئ القوائم المالية عن أهم أمور المراجعة التي واجهها وعالجها المراجع، على الأقل من وجهة نظر المراجع.
ولشركة من قطاع البتروكيماويات، ذكر المراجع المتطلبات المحاسبية المتعلقة بعقود الإيرادات، خصوصا التحديثات الأخيرة التي طرأت عليها وكيفية استجابة الشركة لهذه المتطلبات، خصوصا أن الإيرادات تعد أحد أقوى مؤشرات الإداء الرئيسة للشركة. وذكر ضمن كيفية معالجته هذا الأمر أنه قام بمراجعة تحليل الإدارة التفصيلي لموارد إيراداتها وكيفية تأثير المعايير المحاسبية الجديدة في الشركة، وأنه قام بفهم نهج الإدارة في تنفيذ التغييرات المحاسبية، وقام بفهم طبيعة عقود الإيرادات التي تستخدمها الشركة، واختبر عينة لعقود البيع واختبر تصميم العمليات والإجراءات التي وضعتها الإدارة لضمان الاعتراف المناسب بالإيرادات، وراجع كذلك مدى ملاءمة إفصاحات المجموعة عن المعيار الدولي رقم 15 في القوائم المالية.
تحدث مراجع آخر في تقريره المقدم لشركة تقدم الخدمات الصحية عن مخصص خسائر الائتمان على الذمم المدينة وتأثير متطلبات المعيار الدولي رقم «9» ، وذكر الإجراء المتبع لعملية تقييم الموجودات المالية "الذمم المدينة" وتأثر قيمتها الائتمانية. وتحدث عن النموذج المستخدم "نموذج الخسارة الائتمانية المتوقعة المبسط" لتحديد درجة الانخفاض الموجودة. ثم ذكر كيفية معالجته هذا الأمر المهم؛ إذ قام بمراجعة تقييم الإدارة لتأثير المعيار من حيث التصنيف والقياس وفهم النهج المتبع للتنفيذ. وذكر أنه اعتمد على خبرته ومعرفته بالمنشآت المماثلة للوصول إلى النتيجة التي وصل إليها. وذكر كذلك أنه قام بتقييم تصميم الضوابط الخاصة بقياس وتقدير خسائر الائتمان المتوقعة. وقام بمقارنة نموذج الخسائر المتوقعة بأفضل الممارسات المقبولة، واختبر الدقة الحسابية والافتراضات الرئيسة والعوامل الاقتصادية التي قد تؤثر في نتيجة التقييم.
أي زيادة في الشفافية يرحب بها في العادة، خصوصا من قبل مراجعي الحسابات وهم المؤتمنون على الرأي الذين يقدمونه حول التقارير المالية. لم أر بعد أي دراسة لمستوى أو طبيعة الإفصاح حول أمور المراجعة الرئيسة في تقارير مراجعي الحسابات للشركات المحلية. ولكن، على مستوى أوروبا مثلا يبلغ المعدل ثلاثة أمور/نقاط لكل تقرير، وتشير الأبحاث القليلة التي تناولت مدى استجابة المستثمرين لهذه التقارير، بأنها إضافة إيجابية حسنت من تفاعلهم مع القوائم المالية وأثرت في قراراتهم المتعلقة بالاستثمار. من المتوقع أن تشكل مثل هذه الإفصاحات الإضافية تحسينا للتفاعلات بين المراجع ولجنة المراجعة وإدارة الشركة، ويستفيد منها المستثمر في نهاية الأمر.

إنشرها