الصيرفة في طريقها إلى التغيير «2 من 2»

ولمعرفة كيف يمكن أن تحدث التكنولوجيا الجديدة تحولا في هذه الصناعة، فكر في سبب وجود الشركات المالية أساسا. فمعظم هذه الشركات -مثل المصارف، ومقدمي خدمات الرسائل بين المصارف، ومعاملات المقاصة والتسوية المصرفية عبر الحدود- من الوسطاء. ويوجد هؤلاء الوسطاء بين الأطراف المقابلة مثل المقترضين والمودعين بهدف تيسير المعاملات. ويقومون بتوفير معلومات عن الأطراف المقابلة، ومراقبتهم، والمساعدة في توزيع التكاليف الثابتة المرتبطة بالمشاركة في المعاملات، بما في ذلك تكاليف تكنولوجيا المعلومات والامتثال للقواعد التنظيمية. ويمكن أن تقلل التكنولوجيات الجديدة من الحاجة إلى الوسطاء. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي سجلات المعلومات الموحدة للمستهلكين والمتاحة للهيئات التنظيمية، إلى جانب الهويات الرقمية للمستهلكين، إلى خفض تكاليف العناية الواجبة في التحقق من هوية العملاء. ويمكن أن توفر التكنولوجيات الجديدة مزيدا من المعلومات عن الأطراف المقابلة، كما هي الحال في المثال المذكور أعلاه بشأن الدرجات الائتمانية الأفضل تصميما والأكثر دقة. وفي كلتا الحالتين، تقل أهمية الوسطاء.
ومن المرجح أن يغير الوسطاء الذين سيظلون في السوق -وسيظل كثير منهم فيها- طريقة تنظيمهم. وسيعتمد ذلك بشكل كبير على من يمتلك بيانات المستهلكين ولديه إمكانية الوصول إليها. وفي الوقت الحالي، تضخ مؤسسات مالية كبيرة استثمارات ضخمة للحصول على معلومات عن المستهلكين - من قبيل جدارتهم الائتمانية وتاريخ معاملاتهم. وتيسر هذه المعلومات توفير خدمات لتصميم ابتكارات التكنولوجيا المالية التي يكمل بعضها بعضا، والتقدم في إحداها يعزز فعالية الأخرى. بما يناسب المستهلكين، بدءا من المدفوعات ووصولا إلى المشورة بشأن الائتمان والاستثمار. ويشجع ذلك على اتباع نموذج النوافذ الإلكترونية الواحدة للمصارف التي تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات المالية.
غير أن كمية البيانات الجديدة، ومن يمتلكها، يمكن أن تغير هذا النموذج. فيمكن أن يمتلك المستخدمون النهائيون -سواء الأفراد أو الشركات- البيانات الناشئة عن معاملاتهم ومساعيهم التجارية. وفي إطار هذا السيناريو، سيتمتع المستهلكون بحرية أكثر في الانتقال بين مقدمي الخدمات المالية واستخدام خدمات مقدمي خدمات متعددين. وهناك احتمال آخر، وهو دخول جهات فاعلة جديدة في القطاع المالي. وتسيطر وسائل التواصل الاجتماعي، وكبار بائعي التجزئة عبر الإنترنت، وشركات الترفيه القائمة على الإنترنت، ومقدمو خدمات الإنترنت بشكل متزايد على بيانات حول عاداتنا وتفضيلاتنا، وعن ثرواتنا وتاريخ معاملاتنا إلى حد ما. فهل سيدخلون في شراكة مع مقدمي الخدمات المالية القائمين أو يجازفون بالدخول في هذا المجال بأنفسهم؟ ومن الصعب التنبؤ بالإجابة، ولكن القدرة على الوصول إلى البيانات، وملكيتها، ستمنحهم ميزة كبيرة. وستنشأ أيضا حواجز أمام الدخول في هذا المجال. ومن المرجح أن يؤدي انخفاض تكلفة توفير الخدمات المالية -نتيجة أتمتة مهام المكتب الخلفي، بما في ذلك تسوية الفواتير- إلى تشجيع الدخول.
بيد أن بعض جوانب القطاع المالي ستستمر في تفضيل وجود عدد صغير من الشركات الكبيرة، ولكن ليس بالضرورة الشركات العاملة حاليا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي