استراتيجيات استثمارية للمؤسسات الخيرية «1 من 2»
بشكل عام، يرغب المانحون في تمويل المؤسسات الخيرية التي ستنفق معظم الأموال، أو كلها، على المحتاجين. وغالبا ما تقوم هذه المؤسسات بإيداع التبرعات في حسابات مصرفية أو الاستثمار في سندات حكومية ذات عائدات منخفضة، لأن فكرة استثمار الأموال تعطيهم إحساسا بأنها أموال "قذرة"، ولا سيما أن القائمين على المؤسسات الخيرية يشعرون بأن مهمتهم تتمثل في إنفاق التبرعات على قضايا هادفة، وليس استثمار تلك الأموال.
وعلى الرغم من أن هذا المعتقد يبدو منطقيا وحسن النية، إلا أنه قد يكون غير قادر على تحقيق أفضل النتائج بالنسبة إلى تلك المؤسسات والمحتاجين على حد سواء. لذا، يجب على المانحين والمؤسسات الخيرية إعادة النظر في طريقة تفكيرهم.
فإذا نظرنا إلى ملاجئ الأيتام، على سبيل المثال، فهي كغيرها من المؤسسات الخيرية، تتكفل بمشاريع طويلة الأجل. وبما أن الملاجئ تتحمل مسؤولية نشأة اليتامى من مرحلة الطفولة إلى سن الرشد، فلديها التزامات مالية طويلة الأجل، وتستمر على مدار عقود من الزمن. وبالتالي، ماذا ينبغي لها فعله كي تضمن توافر الرساميل التي تحتاج إليها لتغطية نفقاتها.
الجواب، ببساطة، هو أن تكون لديها استراتيجية استثمار طويلة الأجل. والخطوة الأولى نحو ذلك هي تأسيس لجنة استثمار. هذه هي المقالة الأولى ضمن سلسلة من المقالات في كتابنا الجديد الذي يحمل عنوان "الممارسات الجيدة لإدارة الأموال للمنظمات غير الهادفة إلى الربح" Good Practices for Managing Funds for Non-profit Organizations.
من المؤكد أن المؤسسات الخيرية الكبيرة، مثل مؤسسة بيل وميليندا جيتس، تمتلك صناديق هبات مالية متطورة. أما المؤسسات الخيرية صغيرة ومتوسطة الحجم التي لديها أموال تصل إلى 50 مليون دولار، فقد تكون غير مدركة أنها قادرة على تحقيق نتائج أفضل في تعظيم أموالها على المدى الطويل.
ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تمتلك ما نسبته 11 في المائة فقط من المؤسسات الخيرية، استثمارات خاصة لتمويل برامجها، وفقا لاستطلاع لقطاع الأعمال الخيرية أجرته شركة "ديلويت" في عام 2015.
في إطار النقاشات الدائرة حول استخدام المؤسسات الخيرية للاستراتيجيات الاستثمارية، نود أن نشجع المؤسسين وأعضاء مجالس الإدارات والعاملين في المؤسسات الخيرية، على التفكير في الدور المالي لمنظماتهم، ونحث الجهات المانحة على إعادة النظر في أفضل السبل لتقديم المنح. كما نرغب في تعزيز النقاشات الدائرة حول البيئة التشريعية لقطاع الأعمال الخيرية.
وبشكل عام، عندما يقدم المانحون التمويل للجمعيات الخيرية، فإنهم يمتلكون الخيار إما بالمساهمة في رأسمال المؤسسة الخيرية بشكل مباشر، أو اشتراط استخدام الهبات على الفور. وفي السيناريو الأول، يجب على المؤسسة الخيرية أن تفكر في مسؤوليتها تجاه الجهات المتبرعة لها، وما يتوجب عليها أن تفعله برأس المال الذي تم جمعه للوفاء بواجبها الائتماني.
وبالنسبة إلى الجهات المانحة، فيما يريدون أن تصل أموالهم إلى المحتاجين، لطالما كانت هناك نقاشات غير مكتملة منذ فترة طويلة، حول كيفية اختيار المؤسسات الخيرية التي سيتم تمويلها. فبدلا من التبرع لمؤسسة خيرية تنفق أموالها كافة كل عام، ومن ثم يجب عليها جمع مزيد من الأموال بعد ذلك، هل يستطيع المانحون توظيف أموالهم على نحو أفضل؟
ومن أنجع سبل الحصول على أفضل نتائج للأموال التي يقدمها المتبرعون، يجب عليهم النظر في إن كانت تلك المؤسسات الخيرية تضم لجانا استثمارية تتمتع بالمصداقية، وإن كان لديها استراتيجية متينة للاستثمار على المدى الطويل. وعليه، سيجد المانحون أن تبرعاتهم لمثل هذه المؤسسات، ستواصل العطاء للمحتاجين.
ومن المنظور الكلي، يقوم عديد من دول جنوب شرقي آسيا والصين، بتطوير أطرها التنظيمية الخاصة للقطاع الخيري. ومع ذلك، يجب عليها أن تضع في الحسبان العقبات المصاحبة لاتباع الأطر المعمول بها في الغرب.
على سبيل المثال، يسمح للمؤسسات الخيرية في ألمانيا أن تستثمر فقط في الأصول ذات رأس المال المحمي، مثل السندات الحكومية وسندات الشركات الممتازة والودائع المصرفية. لكن مثل هذه الأدوات المالية ستستنزف رأس المال مع مرور الوقت، نظرا لأن معدلات الفائدة التي تقدمها، تقل عن معدلات التضخم...يتبع.