من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري
حضرت هذا الأسبوع فعاليات الدورة الثالثة عشرة لمنتدى "جيبكا" السنوي الذي عقد في دبي خلال الفترة من 26-28 نوفمبر الجاري، و"جيبكا" لمن لا يعرفها هي منظمة تضم الشركات المنتجة للبتروكيماويات والكيماويات في الخليج، تم إنشاؤها في عام 2006 لتكون منصة لتبادل المعلومات والتجارب بين الشركات الأعضاء وإبراز الصناعة الخليجية في المحافل الإقليمية والدوليّة، واشتق اسمها من الحروف الأولى لاسم المنظمة بالإنجليزية "الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات The Gulf Petrochemicals and Chemicals Association GPCA".
المنتدى هذا العام حضره أكثر من 2100 مشارك يتقدمهم رؤساء شركات البتروكيماويات العالمية ومسؤولون حكوميون ومختصون وأكاديميون من أكثر من 50 دولة قدموا أفكارا حول التحول الرقمي في مجال البتروكيماويات واستراتيجيات التنوع والنمو في حقبة الثورة الصناعية الرابعة، وضمت الجلسة الافتتاحية كلمات ونقاشا مفتوحا لوزير النفط البحريني الشيخ محمد بن خليفة وأمين سر وزارة البتروكيماويات في الهند راغفندرا راو إضافة إلى رئيس "أرامكو" أمين الناصر ورئيس "سابك" يوسف البنيان.
وفيما يخص صناعة البتروكيماويات الخليجية، أكد الدكتور عبدالوهاب السعدون الأمين العام للمنظمة أن الإنتاج الخليجي من البتروكيماويات يتجه تدريجيا للانتقال من حقبة صناعة المنتجات السلعية إلى مرحلة المنتجات المتخصصة ذات القيمة المضافة العالية.
وأوضح السعدون أنه بمقارنة إنتاج البتروكيماويات الخليجية لفترة عشر سنوات من 1997-2007 مع السنوات العشر اللاحقة لها "من 2007 حتى نهاية 2017" ارتفع معدل النمو في إنتاج بوليمرات الأداء Performance Polymers من 14.1 في المائة خلال الفترة الأولى إلى 40.3 في المائة في السنوات العشر الأخيرة، في حين انخفضت نسبة النمو في إنتاج البوليمرات السلعية من 15.2 في المائة إلى 8.6 في المائة بين فترتي المقارنة، وحققت الأسمدة الكيماوية معدل نمو إيجابيا مدفوعة بتوسع شركة معادن في إنتاج الأسمدة الفوسفاتية مرتفعة من 4.9 في المائة في الفترة الأولى إلى 7.5 في المائة خلال الفترة الثانية، في مقابل انخفاضات جيدة في نسب النمو في إنتاج الكيماويات الأساسية والوسيطة واللا عضوية.
وتوقع السعدون أن تضيف شركات البتروكيماويات الخليجية إلى طاقاتها الإنتاجية داخل دول المنطقة نحو 37.8 مليون طن إلى طاقاتها الحالية البالغة 166.8 مليون طن. وبالمثل سترتفع الطاقة الإنتاجية للشركات الخليجية في الخارج من 17.8 إلى 38.7 مليون طن خلال السنوات العشر المقبلة، وستكون حصة الأسد من نصيب آسيا مرتفعة مما نسبته 49 في المائة في 2017 إلى 59 في المائة في 2027، وبالمثل سترتفع حصتها في أمريكا الشمالية من 27 في المائة في عام 2017 إلى 29 في المائة بنهاية 2027، وفي المقابل ستنكمش حصة أوروبا من حجم الطاقات الإنتاجية الخليجية في الخارج من 24 في المائة إلى 12 في المائة بنهاية 2027.
الجلسة الثانية في المنتدى "وهي من أهم جلساته" كانت عن الاقتصاد الدائري، وقدمها خبراء ومختصون وكانت بالفعل أرقامها مخيفة ومرعبة، فنائب رئيس "إكسون موبيل" دوف أندرو" أوضح أن النفايات البلاستيكية التي ينتجها العالم سنويا تصل إلى 400 مليون طن يذهب نصفها إلى مكبات ومدافن النفايات أو يرمى في المياه والمحيطات "قدر قيمة الهدر فيها ما بين 300-400 مليار دولار سنويا".
فيما أوضح "جريج هالجرين" مدير استدامة الأعمال في شركة بوريالس النمساوية Borealis، أن 12 مليون طن من نفايات البلاستيك فقط يتم رميها في المياه والمحيطات سنويا ومعظم هذه الأرقام في قارة آسيا مع الأسف، معربا عن أمله أن تتحول اقتصاديات هذه القارة من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري From Linear Economy to Circular Economy.
ومفهوم التحول نحو الاقتصاد الدائري يقوم على "3R"، وهي الحروف الأولى لكلمات
Reduce, Reuse, Recycle، فالهدر والثلويث وعدم إعادة التدوير تفقد العالم موارد كثيرة وتتسبب في تلوث البيئة البحرية والبرية، ولهذا تنبهت الدول المتقدمة لهذه المشكلات وبدأت تحاربها وتفرض القوانين التي تحصر آثارها الضارة في حدودها الدنيا.
ومن أوراق وعروض منتدى جيبكا إلى واقعنا المعيش، فمع الأسف ما زلنا نعتمد على إيرادات مورد ناضب، وننفقها في شراء مزيد من المنتجات الاستهلاكية التي يستخدم فيها البلاستيك للتغليف أو يدخل في تصنيعها، ومع الأسف لا نتعامل بمسؤولية في التخلص منها بعد استخدامها فيتم رميها في الأماكن العامة في المدن والصحاري وسواحل البحر دون أدنى حس بالمسؤولية، ودون تحرك جدي من قبل وزارة البيئة ووزارة البلديات لإيجاد التشريعات المنظمة والبنية التحتية لإدارتها، واستخلاص القيمة منها سواء بإعادة تدويرها أو استخدامها كوقود لتوليد الكهرباء بعد نهاية دورة حياتها، والنتيجة استمرار اقتصادنا بشكل خطي يقوم على اشتر- استهلك - ارمِ، مع ما يسببه ذلك من هدر للأموال وتلوث للبيئة وظلم لحقوق الأجيال القادمة في العيش في بيئة صحية وغير ملوثة بالنفايات والبلاستيك، ويبقى السؤال الأخير للمعنيين: متى سنتحول من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري؟ أتمنى ألا تطول فترة الإجابة.