المؤسسات العالمية تهرب من إيران
كما كان متوقعا، تسير المؤسسات المالية والمصارف في الاتجاه الذي طلبته الولايات المتحدة فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على إيران، وبالعقوبات الجديدة التي تستعد واشنطن لفرضها لاحقا. وهذه المؤسسات تخشى - كما هو معروف - الغضب الأمريكي، ولا سيما بعدما شهدت السنوات الماضية كيف تعاملت السلطات القضائية الأمريكية مع الجهات التي لا تهتم بطلباتها في هذا الشأن. وكيف فرضت واشنطن غرامات هائلة وصلت إلى المليارات على المؤسسات المخالفة لقواعد العقوبات. لم تعد المسألة هنا وجهة نظر. إما أن تتوقف عن التعامل مع إيران، وإما أن تواجه الغرامات الهائلة والقضاء الأمريكي، إلى جانب العقوبات الأمريكية نفسها التي قد تفرض على هذه الجهة أو تلك.
من هنا، يمكن فهم قرار بنك الدولة الهندي تجميد كل تعاملاته مع مدفوعات النفط الإيراني، وهو - بالطبع - قرار متوقع، خصوصا بعد فشل كل المحاولات الدولية الأخرى في إقناع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، باستثناء المؤسسات المالية، وغيرها، من "الغضب الأمريكي". وظهر هذا واضحا من إخفاق الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، في حماية مؤسساته وشركاتها من هذا "الغضب"، الأمر الذي دفع رؤساء المؤسسات المعنية إلى الالتزام حرفيا بالتوجهات الأمريكية الواضحة. فهي تعرف "بل بعضها اختبر بالفعل" أن خسائرها المتوقعة من العقوبات الأمريكية، لا تقارن بمكاسبها التي ستحصل عليها جراء الاستمرار في التعامل مع النظام الإرهابي الإيراني. كما أن مصالحها الحقيقية طويلة الأمد تبقى مع الجانب الأمريكي وليس أي جانب آخر في هذا العالم.
خطوة البنك الوطني الهندي، تأتي في وقت يخشى فيه نظام علي خامنئي من انهيار كامل في المعاملات المالية الخاصة بالصادرات النفطية. فالهدف الرئيس لهذا النظام الطائفي التخريبي، أن تكون هناك مؤسسات مالية تمرر خدماتها بأي صورة من الصور، خصوصا بعدما تبين أن التحايل على النظام المالي العالمي لا يوفر عوائد كافية، بما في ذلك التعامل بأسماء وهمية، وعن طريق طرف ثان وثالث ورابع أحيانا. ودون الخدمات المالية العالمية لا يمكن لأي تجارة إيرانية أن تمضي قدما، ولا سيما عمليات تصدير النفط، ناهيك عن شركات النقل العالمية الكبرى التي تخضع هي الأخرى لتهديدات الجانب الأمريكي. الكماشة الاقتصادية تحيط كل يوم برقبة نظام الملالي، الذي لا يزال يعيش خارج الواقع.
في غضون شهرين تقريبا، ستدفع الولايات المتحدة بمزيد من العقوبات على هذا النظام، إلا إذا قبل بعقد اتفاق نووي جديد يتضمن كل الشروط الأمريكية المعلنة، وفي مقدمتها - بالطبع - منع نظام خامنئي من أي قدرات نووية مستقبلية، والإشراف الدولي المباشر على أي نشاط في هذا الشأن، فضلا عن توقف طهران عن تمويل الإرهاب والتدخل في شؤون البلدان الأخرى، بما في ذلك انسحابها من سورية، التي نشرت فيها الظلم والقتل والخراب على مدى سنوات. وليس هناك أي فرصة أمام الاتحاد الأوروبي حاليا لتغيير القرار الأمريكي. في الواقع، استنفد كل الفرص منذ قرار الانسحاب الأمريكي. بل إن واشنطن وجهت انتقادات لاذعة إلى شركائها الأوروبيين على التزامهم باتفاق يفيد نظاما تخريبيا إرهابيا، ولا يضمن عدم حصوله على السلاح النووي مستقبلا.
سنشهد في الأيام المقبلة كثيرا من المؤسسات المالية وغيرها على الساحة العالمية، تقوم بتجميد تعاملاتها مع إيران، إلى أن تسمح الولايات المتحدة بذلك. فالقرار الأمريكي أكثر من واضح، وعقاب واشنطن خبرته مؤسسات وجهات مالية وتجارية كبيرة، وهو عقاب يقصم الظهر فعلا، ليس فقط من ناحية الغرامات المالية، بل أيضا من جهة الملاحقات القضائية أيضا.