هل أصبح القطاع المالي آمنا بالقدر الكافي؟

بعد مرور عشر سنوات منذ اندلعت الأزمة المالية العالمية، لا يزال صناع السياسات في مختلف أنحاء العالم، يحاولون تقييم أفضل السبل لمنع إفلاس المصارف من إلحاق الأذى الشديد بالاقتصاد مرة أخرى. وتزودنا مطبوعتان حديثتان ــــ إحداهما صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية والأخرى من إعداد خبراء الاقتصاد في بنك الاحتياطي الفيدرالي ــ بمؤشر إلى ما أصبحنا عليه الآن.
تولى تقرير وزارة الخزانة الأمريكية فحص إمكانية الاستعاضة عن عملية حل المصارف الضخمة المفلسة بقيادة الهيئة التنظيمية في إطار قانون دود-فرانك ـــ سلطة التصفية المنظمة ـــ بآلية تقوم على المحاكم فقط. وقد أجريت دراسة وزارة الخزانة بموجب تعليمات من الرئيس دونالد ترمب، الذي كان بإصدار هذه التعليمات يستجيب للضغوط من عديد من القادة الجمهوريين في الكونجرس ــ مثل النائب جيب هينزارلينج من ولاية تكساس، ورئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب ــ الذي يدعو إلى الاستعاضة عن الهيئات التنظيمية بالمحاكم.
في النهاية، وفي حين أشادت وزارة الخزانة بفضائل الإفلاس الأساسي للمصارف الفاشلة، فإنها رفضت إلغاء صلاحيات الهيئات التنظيمية فيما يتصل بإعادة هيكلة المصارف. وقد أعرب هينزارلينج عن خيبة أمله العميقة إزاء النتيجة التي توصلت إليها وزارة الخزانة، ويواصل هو وزملاؤه الإصرار على أن قانون دود-فرانك مثال للتدخل غير اللائق من قبل الحكومة الذي يؤدي إلى زيادة مخاطر عمليات الإنقاذ الممولة بأموال دافعي الضرائب.
ولكن كما أدركت الخزانة، فإن إلغاء الهيئات التنظيمية اقتراح مثير لإشكاليات عظيمة. ذلك أن إعادة هيكلة المصارف في أوقات الأزمات تتطلب التخطيط، والتعرف على مواطن القوة ونقاط الضعف في المصرف، ومعرفة أفضل توقيت لعملية الإفلاس في اقتصاد متقلب، والقدرة على التنسيق مع الهيئات التنظيمية الأجنبية. ولا تستطيع المحاكم الاضطلاع بهذه المهام، خاصة ليس في وقت مخصص حاليا لإفلاس المصارف ـــ عطلة نهاية الأسبوع ــــ في غياب تخطيط مسبق من قبل الهيئات التنظيمية ومشورتها الفورية، فضلا عن التنسيق الدولي.
علاوة على ذلك، إذا غرقت مصارف ضخمة متعددة في وقت واحد، لن تتمكن محاكم الإفلاس من إدارة الأزمة التي ستلي ذلك على مستوى الاقتصاد بالكامل. فهي تفتقر إلى التدريب اللازم لابتكار خطة تعاف على المستوى الوطني. وهي ليست في وضع يسمح لها بتنسيق الإجراءات مع الهيئات التنظيمية الأجنبية.
نظرا لكل هذا، فإن إلغاء إعادة الهيكلة بقيادة الهيئات التنظيمية يرقى إلى خطوة كبيرة إلى الوراء. وعلى هذا، فإن تقرير الخزانة يعد خبرا سارا، خاصة أنه في غياب الدعم من قبل وزارة الخزانة، ربما يتوقف مجلس النواب عن الدفع في اتجاه التغيير.
غير أن المطبوعة الثانية الحديثة ــ التي أعدها عدد من خبراء الاقتصاد في بنك الاحتياطي الفيدرالي ــ تقترح أن قدرا كبيرا من العمل يظل مطلوبا. ويتلخص استنتاج التقرير الرئيس في أن التخطيط لإعادة الهيكلة لم ينعكس بعد في تسعير السوق لسندات المصارف.
بعد الأزمة، خلصت دراسات أجراها عاملون في صندوق النقد الدولي وغيرهم إلى أن المصارف في احتياج إلى قدر أكبر كثيرا من الأسهم القادرة على استيعاب الخسائر. وفي عام 2009، كانت خمسة سنتات فقط من كل دولار لتمويل عديد من المصارف تأتي من الأسهم، وكانت البقية تأتي من الاستدانة "الودائع، والقروض لليلة واحدة، والقروض الطويلة الأجل". وعلى هذا، فإذا خسر المصرف ستة سنتات في عملياته لكل دولار من الدين، فلن يكون في الإمكان السداد لبعض الدائنين بشكل كامل. وفي محاولة لتجنب الخسائر، ربما يهرع عديد من الدائنين إلى الصرف نقدا، وهو ما من شأنه أن يفرض الضغوط على النظام المصرفي بأكمله، وربما يؤدي إلى حدوث تكالب على المصارف لاسترداد الودائع.
وفقا لدارسة صندوق النقد الدولي، ربما كانت أغلب المصارف لتتمكن من الصمود في وجه الأزمة لو كانت 15 سنتا من كل دولار من تمويلها في هيئة أسهم. ومع ذلك، لا تزال المصارف تحتفظ بنحو ثمانية أو تسعة سنتات فقط لكل دولار من التمويل في هيئة أسهم، على الرغم من ضغط الهيئات التنظيمية لحملها على زيادة النسبة، حتى أن المصارف الأكبر حجما دعت إلى خفض هذه النسبة الأقل من المثلى.
سعت الهيئات التنظيمية والمصرفيون إلى إيجاد أرضية مشتركة لتعزيز السلامة. وإضافة إلى السنتات الثمانية من الأسهم التي تحتفظ بها، تسعى المصارف الآن إلى الاحتفاظ بثمانية سنتات لكل دولار من الدين الذي يمكن تحويله إلى أسهم في غضون عطلة نهاية الأسبوع. وفي مثل هذا السيناريو، يستطيع المصرف المتضرر أن يستوعب قدرا أكبر من الخسائر ويظل عاملا، وهذا كفيل بالحد من الحافز الذي قد يدفع الدائنين لاسترداد الودائع.
لكن الأمر لا يخلو من عقبة محتملة. فبموجب الخطة الحالية، يجري تعيين دائنين بعينهم مقدما لاستيعاب خسائر المصرف المفلس بمجرد محو الأسهم. وبالتالي، تصبح الديون المستحقة لأولئك الدائنين أكثر خطورة، وينبغي أن تكون أكثر تكلفة للمصرف من الديون غير المخصصة لتحويلها إلى أسهم. ومع ذلك، خلص خبراء الاقتصاد في بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن هذه ليست الحال في السوق. ولكن لماذا؟
الاحتمال الأول متفائل نوعا ما: فالأسواق المالية لا تعتقد في إمكانية حدوث أزمة مالية أخرى خلال عمر الدين الحالي. ولكن، هل من الممكن أن تعتقد الأسواق حقا أن احتمالات اندلاع أزمة في العقد المقبل لا تتجاوز الصفر؟ الواقع أن المخاطر المتمثلة في نشوب حرب تجارية أو أزمة مالية على سبيل المثال "عندما يتم الوصول إلى مستوى العجز المتوقع بتريليون دولار" حقيقية واضحة ويجري تسعيرها بواسطة أسواق الأسهم المتقلبة.
ويتمثل احتمال آخر محايد، في أن الأسواق لا تسعر الأنماط المختلفة من الدين بشكل مختلف، لأنها لا تفهم أن الخطة تنطوي على إصابة بعض الدائنين بقدر أكبر من القوة والإبقاء على آخرين آمنين. بيد أن هذا أيضا غير مرجح، لأن الخطة حظيت بدعاية جيدة في الدوائر المالية، كما أن وكالات التصنيف، مثل موديز، تحتسب الديون القادرة على استيعاب الخسارة باعتبارها أكثر خطورة من ديون المصارف العادية.
أما التفسير الثالث، فهو أكثر شؤما. فربما تتفهم الأسواق المالية هذه الخطط، لكنها لا تجدها جديرة بالثقة حتى الآن. إن إعادة هيكلة المصارف الضخمة خلال عطلة نهاية الأسبوع أمر لم يسبق تجربته من قبل قط، ولا يزال المعلقون يرون عقبات محتملة لابد من التغلب عليها. وربما يفترض المستثمرون المطلعون أن المصارف والحكومة, في نهاية المطاف، لن تتعامل مع الدائنين القادرين على تحمل الخسائر على نحو يختلف عن تعاملها مع غيرهم.

خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2018.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي