ثقافة وفنون

الخطاب الإعلاني .. إغراق فجّ بلهجة مبتذلة

الخطاب الإعلاني .. إغراق فجّ بلهجة مبتذلة

ذلك الخطاب الذي يتسلل خفية إلى عقولنا دون أن نشعر، أو يخاطبنا بشكل مباشر ليقنعنا بشراء سلعة ما، أو الدفع للاستفادة من خدمة ما. هو فن فعال ومؤثر يقتحم الخطابات الأخرى في محاولة لربط المستهلك بالسلعة وترغيبه فيها. ويُبنى الخطاب الإعلاني بطريقة تُعنى برغبات واهتمامات المتلقي. والإعلان التجاري ليس خطابا بريئا ولا واضحا بل هو خطاب مخاتل ومخادع يخفي أكثر مما يظهر؛ ليحقق رسالته الأساسية وهي الترويج للسلعة، وإثارة رغبة الجمهور في اقتنائها. ويكون الإعلان التجاري ضرورة ملحة إذا كان العرض أكثر من الطلب. في حين لا تحتاج السلعة إلى إعلان إذا كان الطلب أكثر من العرض.

ثقافة المستهلك

تتمازج في الإعلان التجاري عناصر لغوية وأخرى غير لغوية حيث تتشارك المكونات البصرية في الصورة مع الرمز اللغوي لتأدية رسالة إعلانية هدفها جذب انتباه الجمهور نحو المنتج سواء كان سلعة أو خدمة. والمعلن هنا يهتم بثقافة المستهلك أكثر مما يهتم بالسلعة ذاتها وعلى ذلك يكون بناء مكونات الإعلان البصرية واللغوية. فالفكرة الإعلانية تكون في الأصل نصا يتم تحويل كلماته إلى مشهد ناطق، أو مشهد صامت، أو صورة مع رموز لغوية، أو رسالة لغوية مباشرة. وبالتالي يتحول الإعلان من (نص) إلى (خطاب) في سياق مرسوم ومرتب بصورة فنية. وفي الخطاب الإعلاني الوقت ثمين والمساحة مكلفة.

إكراه التكرار

قد يكون الخطاب الإعلاني مستفزا ومنفرا؛ لكثرة انتشاره في كل موقع، وعلى كل صحيفة وفي ثنايا كل تطبيق على الأجهزة الذكية. ولكنه في النهاية يؤدي غرضه، حيث يتقبّل المتلقي وجوده مكرها ثم يعتاد عليه ويصير جزءا من يومه، وربما صار المنتج من مقتنياته. إذ تتشرب الذاكرة طويلة المدى بالمعلومة التي تعرض عليها بصورة متكررة دون أن تشعر، خاصة إن كان التكرار يستخدم الصورة الثابتة أو المتحركة في مكونات الإعلان؛ فإنه بذلك يكون أكثر تأثيرا وفعلا عند المتلقي، إذ تنطبع الصورة في اللاوعي عند المستهلك بسهولة ويسر، دون أن يبذل جهد القراءة، أو فك شفرة الكلمات التي يسمعها في الإعلانات المقروءة أو المسموعة. وتستهدف الإعلانات المستهلك اليوم بتتبع تحركاته على صفحات الانترنت ومواقع التسوق حتى تعرض أمامه الإعلانات التي تناسبه وتدخل ضمن اهتماماته. وتحدد موقعه على خريطة العالم؛ ليحدّثه الإعلان بلغته أو بلهجته المحلية الخاصة. إننا بقدر ما نستفيد من الخدمات المطروحة على الانترنت بقدر ما نسمح للعالم أن يقتحم عالمنا الخاص، ويكتشف اهتماماتنا؛ ليجعلنا هدفا سهلا يحقق الربح لأصحاب رؤوس الأموال.

مداخل الإقناع

يستخدم المعلنون اليوم اللهجات العامية في إعلاناتهم التجارية، باعتبارها أحد أهم المداخل الإقناعية لبناء الوصلة الإعلانية. فعندما يستخدم المعلن اللهجة العامية يكون أقرب إلى أفكار المستهلك وهواجسه حيث تكون العبارة قريبة منه. تُخاطب روحه مباشرة وتحركه نحو احتياجاته بذات اللغة التي يتحدث ويفكر بها. ويكون العقل في تلك الحالة أشبه بالإسفنجة التي تتشرب هذه الرسائل الإعلانية بصورة سريعة حين لا تكون تحت ضغط أي مجهود يبذل في محاولة تحليل الخطاب أو فهمه، بعكس ما يحدث في الإعلان التجاري الذي يستخدم اللغة العربية الفصحى التي تتعالى عن لغة المستهلك العادي. وتظهر الإعلانات باللهجة العامية اليوم بشكل بارز حين يحدثك الإعلان بنفس اللغة التي تتكلم بها مع صديقك أو بنفس اللغة التي تستخدمها في حوارك الداخلي: "وصلت الدوام وناسي تفطر؟ الحق نفسك واطلب لك أحلى فطور". ثم لنتخيل هذا الإعلان بنفس المحتوى في خطاب مكتوب باللغة العربية الفصيحة ليكون: "وصلت إلى مقرّ عملك، ونسيت أن تتناول فطورك؟ أطلب ألذّ فطور". وهنا أترك للقارئ الكريم الحكم على أي العبارتين أقرب إلى النفس وأكثر تأثيرا.

فجاجة الطرح

يقتحم الإعلان خصوصيتك ويدّعي أنه يعرف احتياجاتك، يباغتك ويأمرك وينهاك بصورة فجّة "لا يفوتك التخفيض، ارفع الشاشة وحمل التطبيق"، "‏وينكم ؟! بدأ مهرجان الجمعة البيضاء..‏ لحّق واشتري من خلال تطبيقنا المجاني". والإعلان بالأمر أو النهي المباشر يحث المتلقي على الاستجابة لأنها توحي بالصدق والجدّية من خلال السلطة اللغوية التي تفرضها صيغتيّ الأمر والنهي، وفي كثير من الأحيان يستخدم هذا الأسلوب مع السلع الرديئة، أو التخفيضات الكاذبة التي تكون على قطع محدودة ورديئة لا تستحق قيمتها حتى بعد تخفيض سعرها. وبذلك تؤدي مثل هذه الإعلانات إلى نتيجة عكسية؛ إذ تستثير المقاومة وروح العناد عند الجمهور، وتؤدي بذلك إلى رفض الاستجابة للأمر الذي يفرضه الإعلان.

فن الإعلان

إن أكثر الإعلانات تأثيرا ذلك الإعلان المدروس الذي قد لا يُعلن فيه عن الاسم التجاري للسلعة بشكل مباشر، أو يتم التركيز على استعراض مزايا المُنتَج أو الخدمات التي يقدمها؛ وذلك مما يجعل المتلقي يتقبلها في صورة معلومات مفيدة، وليس في صورة إغواء فج يحاول إقناع الجمهور على شراء السلعة. وذلك يحدث في الأفلام والعروض التلفزيونية حين يتم تمرير عدد من الإعلانات التي لا يتنبه المشاهد إليها، ولكنها تحقق هدفها في دفعه نحو شراء المنتج أو الخدمة حين يشاهد مزايا السلعة. أو قد يرغب فيها لمجرد أن يرى الممثل المفضل لديه يقتنيها في مشهد ما. فالإعلان فن بناء صورة ذهنية جيدة عن منتج أو سلعة ما، وليس محاولة إكراه الناس على شراء سلعة ما بخطاب كاذب.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون