FINANCIAL TIMES

الأسواق الناشئة .. ارتفاع الأسهم يترك العملات في الخلف

الأسواق الناشئة .. ارتفاع الأسهم يترك العملات في الخلف

بحسب ظاهر الأمر كان عام 2017 عاما مذهلا لجميع فئات الأصول في بلدان الأسواق الناشئة.
الأسهم ارتفعت 30 في المائة، والديون بالعملة الصعبة 9.2 في المائة، ومتغير العملة المحلية 9 في المائة في الوقت الذي عاد فيه المستثمرون الأجانب إلى المعمعة، بدعم من ارتفاع متواضع في النمو الاقتصادي والتجارة العالمية.
وعلى نحو غير مفاجئ في هذه البيئة، ارتفعت عملات الأسواق الناشئة بنسبة كبيرة بلغت 5.4 في المائة، ما وضعها على الطريق نحو أفضل عام لها منذ عام 2010، على الأقل بحسب مؤشر جيه بي مورجان لعملات الأسواق الناشئة المستخدم على نطاق واسع.
لكن هذه ليست الصورة الكاملة. يستند مؤشر جيه بي مورجان إلى مجموعة من عشر عملات فقط للأسواق الناشئة ويقيسها فقط مقابل الدولار الأمريكي بحسب الأسعار الفورية "أي القيمة الاسمية، غير معدلة حسب التضخم".
يتبع المستثمرون أسعار الصرف المذكورة لسبب وجيه: تُخبرهم كيف تُترجم الأرباح على الأصول المقومة بالعملة المحلية إلى دولارات. لكن للحصول على التغييرات الحقيقية في القدرة التنافسية والقوة الشرائية في أي اقتصاد، أفضل مقياس هو سعر الصرف الحقيقي الفعلي في البلاد، REER.
عند القياس بهذه الطريقة نجد أن عملات الأسواق الناشئة انخفضت في الواقع من حيث القيمة هذا العام - ليس كثيراً، لكن بقدر كاف لإثارة أسئلة بشأن التعطش المفترض لكل شيء يتعلق بالأسواق الناشئة.
من حيث سعر الصرف الفعلي الحقيقي، أي الأخذ في الحسبان الفروق التضخمية بدلاً من استخدام قيمة أسعار الصرف الاسمية، ومن حيث قياس العملات على أساس الوزن التجاري النسبي، نجد أن عملات الأسواق الناشئة انخفضت في الواقع 0.5 في المائة هذا العام، استناداً إلى سلة مرجحة بحسب الناتج المحلي الإجمالي مؤلفة من 37 عملة.
يقول بهانو باويجا، مختص استراتيجية الأسواق الناشئة في "يو بي إس"، "على الورق كل المكونات اللازمة للارتفاع القوي في أسعار الصرف للأسواق الناشئة كانت مطروحة هذا العام. انتعاش التجارة العالمية الأقوى منذ خمسة أعوام، وأسعار الفائدة العالمية الحميدة، والصين التي تتحدى الجاذبية، كل هذا ينبغي أن يشكل كوكتيلا قويا. إذا كان هناك أي وقت على الإطلاق لتتألق عملات الأسواق الناشئة بقوة، فقد كان هذا العام".
"بحسب ظاهر الأمر، حققت أداءً جيداً بالتأكيد - مقابل الدولار، المتوسط البسيط لعملات الأسواق الناشئة الـ 20 الأكثر سيولة ارتفع 5.2 في المائة من حيث الأسعار الفورية. لكن مقابل اليورو هذه المجموعة خسرت 6.2 في المائة. من حيث الوزن التجاري النسبي، أسعار الصرف للأسواق الناشئة لم تذهب إلى أي مكان على الإطلاق".
لويس كوستا، مختص استراتيجية العملات والائتمان في الأسواق الناشئة في "سيتي"، يرى أن تحليل سعر الصرف الفعلي الحقيقي يعد "نقطة مثيرة جداً للاهتمام". يقول "للأسف يُفكر "المحللون" بشأن تحركات أسعار الصرف بالدولار طوال الوقت، لكن هذا ليس الحقيقة الفعلية. التحركات الاسمية لا تعني شيئا من حيث الاقتصاد، على الرغم من أنها مهمة بالتأكيد بالنسبة إلى المستثمرين".
البيزو الفلبيني الذي انخفض 3.7 في المائة مقابل الدولار المتدهور هذا العام، يأتي في مرتبة متقدمة من حيث السوء، مع انخفاض من حيث سعر الصرف الفعلي الحقيقي بلغ 7.3 في المائة.
البالبوا البنمي، عملة أخرى مرتبطة بالدولار، انخفض 6.1 في المائة من حيث سعر الصرف الفعلي الحقيقي. وهناك أيضاً تراجع بنسبة تزيد على 5 في المائة للعملات المرتبطة بالدولار في الأكوادور، وهونج كونج، وباكستان، والكويت "وإن كان الارتباط متذبذبا في حالة باكستان"، فضلاً عن تركيا، استناداً إلى بيانات من "جيه بي مورجان".
الأقوى بين العملات الـ 37 كانت الهريفينا الأوكرانية التي ارتفعت قليلاً مقابل الدولار هذا العام، بعد تراجع كارثي في الفترة 2014-2015، على الرغم من التضخم بنسبة تزيد على 16 في المائة، الذي ينبغي أن يعني أن كل هريفينا تشتري أقل على الساحة الدولية.
إنها قصة مماثلة بالنسبة إلى الجنيه المصري الذي عوّض هذا العام بعضا من خسارته في عام 2016 مقابل الدولار، على الرغم من التضخم بنسبة 31.6 في المائة. البيزو المكسيكي والكورونا التشيكية شهدا أيضاً مكاسب كبيرة من حيث سعر الصرف الفعلي الحقيقي.
لكن على نطاق أوسع، "خارج ضعف الدولار، كان هناك بشكل مفاجئ أداء قليل حقيقي بالنسبة إلى أسعار الصرف في الأسواق الناشئة" هذا العام، كما يقول باويجا، وهو أمر يجده "مخيباً للآمال، نظراً لمدى انتعاش التجارة العالمية، والانخفاض في أسعار التأمين على المخاطر العالمية، والارتفاع في أسعار السلع، والنقص المفترض في الاستثمار في الأسواق الناشئة".
بالنسبة إلى السبب في ذلك، هناك عامل واحد يطرحه هو أن بعض البنوك المركزية تقاوم بنشاط رفع قيمة العملة من خلال اختيار إعادة بناء احتياطاتها من العملات الأجنبية: الهند، وتايلاند، وروسيا، وسنغافورة من بين البلدان التي تشهد ارتفاعات كبيرة في الاحتياطات المعدلة حسب القيمة هذا العام.
عامل آخر هو الدلائل التي تفيد أن نمو الإنتاجية المرتفع ـ وبالتالي القدرة التنافسية التي ينبغي من الناحية النظرية أن ترفع عملة البلد أكثر من حيث القيمة الحقيقية ـ آخذ في التراجع في كثير من الأسواق الناشئة.
للتدليل على هذا، يستشهد باويجا بصادرات الأسواق الناشئة التي ارتفعت بثبات كنسبة من الصادرات العالمية "عند قياسها من حيث الحجم" خلال الأعوام الـ 20 الماضية، لكنها انخفضت في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
هناك عامل آخر إضافة إلى ما تقدم، قد يكون أن ميزة "المناقلة" لعملات الأسواق الناشئة - صافي العائد الذي يُمكن أن يكسبه المستثمرون من خلال الاقتراض، مثلاً، بالدولار وشراء الريال، والروبية، والراند وبقية العملات - قد انخفضت بشكل ملحوظ منذ عام 2015، ما ينطوي على الحد من جاذبية عملات الأسواق الناشئة "على الرغم من أنه من الناحية النظرية، تداولات المناقلة الإيجابية بمقدار 3 نقاط مئوية، مثلاً، ينبغي أن يعادلها إجماع التوقعات على تراجع بنسبة 3 في المائة في سعر الصرف الفوري الثنائي خلال الـ 12 شهرا المُقبلة".
عملات الأسواق الناشئة، المرجحة حسب مؤشر السندات بالعملات المحلية لمؤشر السندات الحكومية للأسواق الناشئة التابع لـ "جيه بي مورجان"، توفّر الآن تداولات مناقلة بحدود 3.5 نقطة مئوية، بانخفاض من ذروة بلغت ست نقاط مئوية في عام 2015 وأدنى مستوى لها منذ خمسة أعوام.
وأخيراً، التفاوت بين معدلات النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة والعالم المتقدم يبقى متواضعا نسبياً أيضاً. يتوقع باويجا أن يكون 1.5 نقطة مئوية هذا العام "مع استبعاد الصين"، المستوى الذي "لم نشهد فيه تاريخياً تدفقات (مالية) قوية داخلة".
يتوقع معهد التمويل الدولي، هيئة الصناعة، مثلا، تدفقات داخلة إيجابية لصافي رأس المال إلى الأسواق الناشئة هذا العام للمرة الأولى منذ عام 2013، لكن بحجم يبلغ 35 مليار دولار فقط، مقارنة بـ 332 مليار دولار قبل أربعة أعوام. "من المثير للاهتمام أن معهد التمويل الدولي يتوقع صافي تدفقات داخلة مقدارها 85 مليار دولار من المحافظ إلى الأسواق الناشئة، وتدفقات صافي الاستثمار المباشر الأجنبي 187 مليار دولار، وصافي تدفقات مصرفية 58 مليار دولار، التي تم محْق قيمتها بالكامل تقريباً بسبب "الأخطاء وحالات السهو" – وهي كناية عن هرب رؤوس الأموال - بمقدار 291 مليار دولار في الاتجاه المعاكس".
في المقابل، يعتقد كوستا من "سيتي"، أن فشل عملات الأسواق الناشئة في الارتفاع من حيث الوزن التجاري النسبي هذا العام ليس دليلا على وضع الأسواق الناشئة نفسها بقدر ما هو دليل على وضع اليورو، الذي ارتفع بشكل حاد مقابل الدولار هذا العام، بفضل تحسّن الخلفية الاقتصادية والسياسية.
وهو يقول "إن ما يبعث على التفاؤل، أن عدم وجود ارتفاع في قيمة العملة من حيث سعر الصرف الفعلي الحقيقي يعني أن عملات الأسواق الناشئة لا يُصبح بالضرورة أعلى من قيمتها الحقيقية، كما يمكن أن يظن بعضهم".
تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين في "رينيسانس كابيتال"، وهو بنك استثماري يُركّز على الأسواق الناشئة، والمدافع عن تحليل سعر الصرف الفعلي الحقيقي، يقول "إن حساباته تُشير إلى أن عملات الأسواق الناشئة، باستثناء الصين، تتداول حالياً بنحو 5 في المائة أعلى من متوسطها على المدى الطويل منذ عام 1995"، وهو مستوى يعتبره "ذا قيمة معقولة إلى حد ما".
هناك عامل واحد يطرحه للأداء الثابت هذا العام هو أن أسعار الفائدة الآسيوية منخفضة جداً في العادة، بالتالي تدفقات السندات الداخلة الكبيرة عادة ما تذهب إلى البلدان ذات العائد المرتفع مثل روسيا، وتركيا، والأرجنتين، والبرازيل، التي تشكل حصة صغيرة نسبياً من الناتج المحلي الإجمالي للأسواق الناشئة، ولذلك ليس لها تأثير يُذكر في المقاييس من حيث الوزن النسبي ضمن الناتج المحلي الإجمالي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES