default Author

التفكير الاستراتيجي للشركات

|
يلجأ إلى نظرية المباراة كل من عليه اتخاذ قرار استراتيجي يتحسب فيه لرد فعل الآخرين. فكروا في الشطرنج، حيث لا تعتمد نتيجة المباراة على تحركات مشارك واحد، بل تحركات الطرف المقابل أيضا. وعند اختيار اتجاه للحركة ــ أي "استراتيجية"، بعبارة أخرى ــ يجب أن يراعي اللاعب خيارات اللاعب المقابل. لكن خيارات اللاعب المقابل، بدورها، تقوم على التفكير في مسار الحركة الذي قد يختاره اللاعب الآخر. وتدرس نظرية المباراة هذه العملية القائمة على الاعتماد المتبادل في صنع القرار وتحدد الاستراتيجية المثلى ــ أي أفضل مسار للحركة ــ بالنسبة إلى كل لاعب في مقابل تحركات الآخرين، وكيف يؤدي هذا إلى نتيجة متوازنة، لا تنشئ لدى أي لاعب سببا لتغيير استراتيجيته. ونظرا لكثرة المواقف التي تنطوي على قرارات يعتمد بعضها على الآخر، تكثر احتمالات تطبيق نظرية المباراة في التفكير الاستراتيجي. فمن الممكن استخدام هذه النظرية بين مؤسسات الأعمال التي تتنافس في السوق، والدبلوماسيين الذين يتفاوضون على معاهدة، والمقامرون الذين يراهنون في لعبة الورق، وحتى الذين يفكرون في التقدم للزواج. عِلم الاستراتيجية كان أول مثال لتحليل نظرية المباراة بصورة مقننة هو ما فعله أنطوان كورنو في عام 1838، حين درس السلوك التجاري لاثنتين من الشركات "احتكار ثنائي بلغة الاقتصاديين" تكاليفهما متطابقة وتنتجان نفس المنتجات، لكنهما تتنافسان على تحقيق أقصى الأرباح الممكنة في سوق محدودة. وفي عام 1921، اقترح العالم الرياضي إميل بوريل نظرية مباراة مقننة، طورها فيما بعد خلال نفس العقد جون فون نيومان، أستاذ الرياضيات في جامعة برينستون. لكن نظرية المباراة أصبحت مجالا مستقلا بذاته بعد قيام فون نيومان ومختص اقتصادي اسمه أوسكار مورجنستيرن بنشر مؤلفهما الذي يحمل عنوان "نظرية المباريات والسلوك الاقتصادي" Theory of Games and Economic Behavior في عام 1944، وقد قاما بدراسة المباريات "ذات النتيجة الصفرية" التي تكون فيها مصالح لاعبين متعارضة تماما، حتى إن المباراة تتحول إلى محض صراع ــ بحيث ينتج دائما عن فوز أحدهما خسارة للآخر. ومن الأمثلة الجيدة في هذا الصدد لعبة الشطرنج التي تنتهي بفائز وخاسر. لكن المباريات لا تنتهي بنتيجة صفرية بالضرورة، حيث يمكن للاعبين خوض مباريات إيجابية النتيجة ــ فالاشتراك في كتابة هذا المقال، على سبيل المثال، عاد بالنفع على المؤلفين/ اللاعبين المشتركين وكان بمنزلة مباراة فاز فيها الجميع. وبالمثل، يمكن أن تنتهي المباريات بضرر للطرفين "سلبية النتيجة" ــ كالفشل في منع وقوع الحرب، على سبيل المثال. وقد تناول جون ناش الحالة الأعم والأكثر واقعية التي تنطوي فيها المباراة على مزيج من المصالح المشتركة والمنافسات المختلفة، وأي عدد من اللاعبين. وقد درس منظرون آخرون ــ أبرزهم رينهارد سيلتن وجون هارسانيي اللذان اقتسما جائزة نوبل في الاقتصاد مع ناش عام 1994 ــ مباريات أكثر تعقيدا تتضمن سلاسل من التحركات، ومباريات تتسم بامتلاك أحد اللاعبين معلومات أكثر من الآخرين. ما الذي تحويه المباراة؟ المباراة هي تفاعل استراتيجي بين اثنين أو أكثر من اللاعبين. وكل لاعب لديه مجموعة من الاستراتيجيات الممكنة. وكل استراتيجية يختارها اللاعبون تعود عليهم بمردود يمكن تمثيله رقميا في العادة، ويعتمد هذا المردود على استراتيجيات كل اللاعبين المشاركين في المباراة. ويمكن أن يكون للمردود معان مختلفة أيضا. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتمثل المردود في قيمة مادية أو عدد من سنوات السعادة. وتفترض نظرية المباراة أن اللاعبين يتصرفون بصورة منطقية ــ أي أن كلا منهم يسعى إلى تعظيم مردوده. وربما تكون "معضلة السجين" هي أشهر الأمثلة التي توضح نظرية المباراة. فحين يتم القبض على سارقين لأحد المصارف ويتم استجوابهما كل على حدة، قد يعترف الاثنان أو يظلان صامتين، وتعرض النيابة على كل منهما السيناريو التالي؛ فإذا اعترف أحدهما وظل الثاني صامتا، يطلق سراح من يعترف بالجريمة، بينما يواجه شريكه احتمال البقاء خلف القضبان لمدة عشر سنوات. ويسجن كل منهما لمدة خمس سنوات إذا اعترفا، ولمدة عام إذا ظلا صامتين. وعلى ذلك، إذا اعترف السارق "أ"، يكون الاعتراف والسجن لمدة خمس سنوات أفضل للسارق "ب" من أن يظل صامتا ويسجن لمدة عشر سنوات. ومن ناحية أخرى، إذا لم يعترف السارق "أ"، يظل من الأفضل للسارق "ب" أن يعترف ويطلق سراحه من أن يظل صامتا ويسجن لمدة عام. وفي هذه المباراة، يكون دائما من الأفضل للسارق "ب" أن يعترف مهما فعل السارق "أ". أي أن الاعتراف يكون هو الاستراتيجية الغالبة. ولأن كل لاعب لديه نفس هيكل المردود، تكون نتيجة المباراة هي اعتراف اللاعبين العقلانيين وينتهي الأمر بالاثنين إلى السجن لمدة خمس سنوات. والمعضلة هي أنه إذا لم يعترف أي منهما، يتم سجنهما لمدة عام ــ وهي نتيجة مفضلة للاثنين. فهل يمكن حل هذه المعضلة؟ إذا تكررت المباراة دون نهاية منظورة، يمكن لكل لاعب مكافأة أو عقاب الآخر على أفعاله. ويمكن أن يؤدي هذا إلى نتيجة إيجابية للطرفين لا يعترف فيها أي منهما فيُسجَنان لمدة عام. ومن الأمثلة الواقعية في هذا الصدد التواطؤ بين شركتين متنافستين لتعظيم ربحهما المجمع.
إنشرها