الوظائف العابرة للقارات .. والحد من البطالة
العاطل هو من بحث عن عمل ولم يجده، والبطالة مشكلة دائمة في كل الدول تزداد وتنقص حسب الظروف الاقتصادية وعوامل أخرى، وقد تكون البطالة حقيقية بسبب نقص معروض الوظائف مقابل الطلب عليها، أو تكون بطالة هيكلية حيث يجد الوافدون في البلاد الوظائف بينما لا يجدها المواطنون لعدم تهيئهم علميا أو فنيا أو اجتماعيا للوظائف المتاحة. ولا شك أن بلادنا تعاني البطالة الهيكلية لأسباب كثيرة أهمها تهاوي قيم العمل واحترام المهن بالتزامن مع تصاعد إيرادات النفط، حيث أصبح الكل يبحث عن الوظيفة الحكومية جيدة الدخل والآمنة.
وتوفير فرص العمل في المناطق التي تشهد نقصا في السكان نتيجة هجرة أبنائها للمدن الرئيسة الثلاث في بلادنا بحثا عن العمل مشكلة أكبر من مشكلة توفير فرص العمل للعاطلين في المدن الرئيسة، ذلك أن كثيرا من المحافظات والمراكز تفتقر إلى المقومات الاقتصادية الحقيقية التي يمكن الارتكاز إليها لتنمية النشاط الاقتصادي في هذه المناطق وبالتالي توليد الفرص الوظيفية، وبالطبع لا يمكن الاتكال مستقبلا على الوظائف الحكومية فمعروضها أقل من المطلوب بكثير وخصوصا أن "رؤية 2030" تشير إلى التحول إلى اقتصاديات السوق والاعتماد على القطاع الخاص لتنمية القطاعات الاقتصادية، ورفع نسبة المحتوى المحلي في إجمالي الناتج المحلي، وتوليد مزيد من الفرص الوظيفية الملائمة لقوى العمل الوطنية المقبلة.
خطة التنمية المتوازنة وخصوصا في السنوات العشر الماضية أسهمت في تعزيز مستوى الخدمات في جميع مناطق المملكة وهو أمر مهم في التخفيف من الهجرة الداخلية وتحقيق هدف الهجرة العكسية ليرجع الناس إلى مناطقهم ومحافظاتهم ومراكزهم، حيث قامت الدولة بتوفير التعليم العام والجامعات ومراكز الرعاية الصحية والمستشفيات في كل المناطق، كما قامت بتطوير البنيتين التحتية والعلوية في جميع المناطق ووفرت خدمات الكهرباء والماء كذلك، وهو أمر شجع كثيرين على البقاء في مناطقهم كما شجع كثيرين على التفكير في العودة لمناطقهم بعد أن هجروها للمدن الرئيسة. ولكن مشكلة توافر الوظائف الملائمة ما زالت قائمة في هذه المناطق وتتطلب معالجات جذرية.
ولذلك فإن معالجة البطالة تتطلب التفكير في مسارين: الأول توفير وظائف مناسبة للقوى العاملة القادمة بشكل عام، والثاني توفير وظائف ملائمة للمواطنين في مناطقهم وإن كانت تعاني ضعف المقومات الاقتصادية، وهذا بطبيعة الحال يدعونا للتفكير جديا في برنامج استراتيجي للتنمية المحلية في جميع المناطق يقوم على ركيزتين أساسيتين: الأولى البحث في المقومات الاقتصادية في جميع المناطق وفق المميزات النسبية لكل منطقة وتنميتها بتحفيز حكومي متعدد الصور والأشكال، وربما يكون من ذلك المساهمة في تأسيس شركات تعمل في هذه المناطق، والثانية تقوم على استثمار الموارد البشرية في هذه المناطق كأصول يمكن تنميتها لتكون قادرة على العمل من بعد في مجال اقتصاديات المعرفة، ولتكون قادرة على الابتكار والإبداع في تنمية المقومات النسبية لمناطقهم، وتأسيس الشركات المستثمرة في مجالات اقتصاديات المعرفة والاقتصادية التقليدية المعتادة، وفي المهن التي تدر أموالا كثيرة ويعزف عنها كثيرون لأسباب اجتماعية أو لأسباب ثقافية أو لأسباب تتعلق بالقدرات الفنية والمهارية.
ما علاقة الوظائف العابرة للقارات بكل ذلك؟ هناك مقولة تقول: فكر على مستوى عالمي واعمل في موقعك المحلي Think global work local، ومضمون هذه المقولة أن تسعى الدولة لتأهيل قواها العاملة للعمل خارج البلاد وفق معايير العمل في الدول المتقدمة التي يسعى الجميع للعمل بها لقوتها الاقتصادية وتوافر فرصها الوظيفية وارتفاع مستوى معيشة سكانها، كما يجب أن يسعى المواطن لتأهيل نفسه وفق هذه المعايير، وكلنا يعلم أن معايير الفوز بالفرص الوظيفية في الدول المتقدمة عالية والمنافسة كذلك عالية جدا، وبالتالي من تأهل للعمل في تلك الدول سيجد فرصة عمل بسهولة في بلاده، وسيكون بذلك عنصرا منتجا مبدعا يسهم في تنافسية المنشأة التي يعمل فيها، وإن لم يجد العمل في بلاده فبإمكانه العمل خارجها.
وبالتالي فالمتوقع من وزارة العمل التعاضد مع جميع الأجهزة الحكومية وإمارات المناطق لمعرفة واقع المقومات الاقتصادية في كل محافظة أو مركز، وما خطة الإمارة من خلال مجلس المنطقة لتنمية المقومات الاقتصادية، وخطتها لتنمية الوظائف في كل القطاعات واستقطاب السعوديين للعمل فيها، ومتطلبات ذلك، ومن ثم إعداد خطة لتأهيل الشباب تأهيلا عاليا يؤهلهم للعمل في الدول المتقدمة التي تضع معايير فنية ومعرفية ومهارية وأخلاقية عالية للفوز بالوظائف، ومن ثم ضخهم في الأسواق ليسعد بهم المستثمرون لكونهم عناصر وطنية منافسة تعزز تنافسية المنشآت وترتقي بها في عالم استثماراتها، وعندها سنجد أن البطالة بدأت تتضاءل بشكل كبير، وخصوصا أن الدولة تعمل في عدة مسارات لرفع تكلفة الموظف الوافد وتهيئة بيئة العمل لتكون بيئة طبيعية للموظفين بشكل عام حيث العمل في النهار والتفرغ لظروف الحياة الاجتماعية والراحة في آخر النهار وفي الليل.
مجالس المناطق التي يرأسها أمراء المناطق ذات أهمية كبرى في توفير خدمات المنطقة بما يحقق العدالة التي تسعى لتحقيقها الدولة لأبنائها المواطنين في أنحاء المملكة كافة، كما أنها ذات أهمية كبرى في تنمية المقومات الاقتصادية ومن أهمها الموارد البشرية الوطنية لتكون عناصر مؤهلة منتجة قادرة على المنافسة على الفرص الوظيفية والفرص الاستثمارية المتاحة بأنواعها ومستوياتها كافة، ويمكن لمجلس المنطقة النشط أن يستعين بالخبرات الوطنية للتنمية المحلية ليذهب بعيدا في تهيئة البيئة وتمكين المواطن من العمل والمشاركة الفاعلة في البناء والتنمية وتحقيق طموحاته الشخصية والوطنية.
وكي تنجح مجالس المناطق في تحقيق مهامها بشكل عام على أكمل وجه، ومن ذلك تنمية الموارد البشرية، يبدو لي أنه حان الوقت لتطوير أعضائها في مجالات التخطيط الاستراتيجي وإعداد الخطط التنفيذية ومتابعتها وفق المؤشرات، وكذلك في مجال اقتراح وإعداد المبادرات التنموية الفاعلة في تنمية الخدمات وتعزيز المقومات الاقتصادية.