Author

شركات الاستقدام .. خلط العقود لأكل أموال الناس بالباطل

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
هناك تداخل واسع بين السياسة والاقتصاد، خاصة في موضوع العمل والعمال، وحتى لا تقع الدول في مشكلة سخرة العمال، ينشأ كثير من العقود التي تؤكد أن العمال يستحقون أجرهم مقابل قوة العمل الذي يقدمونه للآخرين، وبعض الدول تسمح للعمال لديها بالسفر والعمل في الخارج حتى تحصل على دخل للحكومة، سواء من الضرائب أو من التحويلات الأجنبية أو خلاف ذلك، والدول التي تستقدم العمال الأجانب تفعل ذلك لتغطي النقص لديها في قوة العمل أو للموازنة بين تكلفة العمل والربح، أو للمحافظة على رؤوس الأموال في البلاد؛ فبدلا من نقل المصانع إلى دول لديها فائض في قوة العمل تقوم الدول بالسماح للعمال بالقدوم والعمل فيها. لكن في كل هذه الظروف والنقاش يجب ألا نقع في فخ تحول العمال أنفسهم إلى سلعة، بل قوة العمل هي السلعة. العمال بشر ويجب ألا نقع في خلط بين الاتجار بالبشر وبين العمل نفسه. استقدام الأيدي العاملة لا يعني أبدا الاتجار بها لكن الفرق دقيق جدا. فكيف نضمن أن أي استيراد للأيدي العاملة هو استيراد لخدمة العمل وليس متاجرة بالبشر. يحدث هذا ـــ كما أشرت ــــ إذا كنا نقيم وندفع مقابل ساعات عمل، إذا كنا نقدم خدمات اجتماعية وتأمينا للعمال، إذا كان للعامل حقوق واضحة ومعلنة ومتفق عليها، إذا كان هناك عقد بين العامل لتقديم خدمة عمل موصوفة بدقة إلى من يطلب هذه الخدمات، وأن يتم ضمان حقوق الأطراف جميعا. إذا وجدت هذه الحقوق في عقود واضحة بهذا الشكل مع تطبيق صارم في الواقع، فإننا نضمن عدم تورط المجتمع في الاتجار بالبشر، لكن إذا فقدنا أحد هذه العناصر، أو أن هناك غموضا في العمل بأي شكل فإننا نعرض أنفسنا لخطر الاتهام. أخيرا قامت وزارة العمل بتطوير مفهوم شركات الاستقدام لتقدم نوعين من الخدمات. الخدمة الأولى تتعلق بالتوسط من أجل استقدام العمالة الوافدة، وهذه الخدمة هي المعروفة لدى المجتمع بالاستقدام، والعقد فيها واضح بين رب العامل والعامل، وليس للشركة سوى حقوق تكلفة الاستقدام، وليس هذا المقال مخصص لمناقشتها، بل لمناقشة الخدمة الثانية المتعلقة بتقديم الخدمات العمالية للغير، وهي تعني- حسب لائحة شركات الاستقدام- أنها استقدام العمالة الوافدة من الذكور والإناث من قبل الشركة المرخص لها بذلك وتقديم خدماتها للغير من أصحاب العمل لأداء عمل محدد خلال مدة محددة ومقابل أجر، ثم أكدت اللائحة أن ذلك (لا يشمل أي علاقة عقدية يكون محلها إنجاز أعمال للغير تتطلب تكليف عمال تابعين للمرخص له لتنفيذها في مقر المتعاقد معه). هنا تبدأ الأمور تشكل علينا في الفهم؛ فهل هذه الشركات تقدم خدمات عمل أو استقداما أم أنها تؤجر العمال؟ فالأصل أن العمل الذي يقدمه العامل أو العاملة هو تنفيذ أعمال مخصصة، مثل أعمال صيانة أو خلافها سواء في مقار عمل أو في منازل، لكن العقد هو محل التقاضي، فإذا كان العقد مع العامل، فالأمور واضحة لأنه هو الذي يقدم الخدمة مباشرة، وإذا كان مع الشركة فإننا أمام مشكلة تعاقدية. المادة الـ32 من اللائحة تشير إلى أن تكون ممارسة نشاط تقديم الخدمات العمالية للغير وفقا للإجراءات التالية: 1 - بعد تلقي الشركة طلب خدمات عمالة لعمل محدد ولمدة محددة، يتم إبرام عقد تقديم خدمات عمالية للغير يتضمن أتعاب الشركة مقابل تقديم خدمات العمالة. وتحصل الشركة المرخص لها على أتعابها من صاحب العمل، ولا يجوز لها أن تتقاضى أي مبلغ من العامل، والسؤال هل هناك فرق بين هذه الخدمات، وبين ما استثنته اللائحة عند تعريف الخدمات للغير؟ حيث أشارت إلى أنها لا تشمل أي علاقة عقدية يكون محلها إنجاز أعمال للغير تتطلب تكليف عمال تابعين للمرخص له لتنفيذها في مقر المتعاقد معه، إذا كانت تتفق فلماذا جاء الاستثناء؟ وإذا كانت لا تتفق فما العقد الذي تم إبرامه على أساس تقديم خدمات عمالية؟ مرة أخرى هل شركات الاستقدام تؤجر عملا أو عاملا؟ إذا كانت قوة العمل هي محل التعاقد فكأن العلاقة التعاقدية بهذا الشكل: صاحب العمل في حاجة إلى قوة العمل التي يمتلكها العامل، ولكن العامل أجنبي ولا يمكن لصاحب العمل التعاقد معه مباشرة (وفق عقد التوسط) لظروف مختلفة، لذلك يذهب صاحب العمل إلى الشركة المتخصصة، التي تقوم بدورها بالتعاقد مع العامل من أجل تقديم خدماته إلى صاحب العمل. لدفع المستحقات يعود كل طرف على من وقع معه العقد، فالعامل يعود إلى الشركة والشركة تعود إلى صاحب العمل الذي استفاد من خدمات العامل. هذا هو الوضع الذي أعتقد أن اللائحة قد رسمته، لكن الواقع مختلف عن هذا تماما مع الأسف. ما يحدث حقيقة أن الشركات خلطت- عن قصد- بين العقود، خلطت عقد التوسط من أجل استقدام العمالة الوافدة، بعقد تقديم الخدمات العمالية للغير، خاصة في العمالة المنزلية. فعند تقديم الخدمات العمالية، تأخذ الشركة من صاحب العمل مبالغ الاستقدام (كعقد توسط) تصل إلى أرقام كبيرة لا تقل عن 22 ألف ريال، وهي جميع تكاليف الاستقدام مع الأرباح المضخمة، فهي بذلك تستخدم عقد التوسط، ثم باستخدام عقد الخدمات العمالية، وتتفق مع العامل على عقد براتب محدود وتأخذ من صاحب العمل مبالغ ضخمة أيضا تصل إلى 2500 ريال شهريا بل أكثر. فما حصل هو أن صاحب العمل تحمل جميع تكاليف الاستقدام والأرباح وتحمل راتبا ضخما يغطي تكاليف الاستقدام وراتب العامل أو العاملة مع ضمان أرباح أيضا، وكأنه دفع تكاليف الاستقدام مرتين أو أكثر، كما أن هذه الشركات ـــ فوق هذا وذاك ــــ لا تتحمل أي مصروفات مقابل ما تأخذه شهريا؛ فهي مثلا لا تتحمل تكاليف السكن، ولا تكلفة الأكل والشرب، ولا ملابس العمل، بل يتحملها أصحاب العمل، وكل ذلك باستخدام عقد التوسط للاستقدام، بينما وفقا لعقد الخدمات العمالية كان يجب عليها أن تتحمل كل هذه المصروفات أو على الأقل لا يتحملها صاحب العمل. في الواقع أيضا، فإن ما تأخذه الشركة من صاحب العمل هو راتب شهري وليس مجرد أتعاب، فالراتب يدفع للشركة مباشرة، وهي التي تقوم بتخصيص جزء منه للعامل. وهنا لا نعرف على وجه الحقيقة هل هذا المبلغ الذي تأخذه شركات الاستقدام هو مقابل الاستقدام أو ما سميت خدمات عمالية، وما هذه الخدمات العمالية على وجه الدقة إذا كان صاحب العمل يتحمل كل شيء حتى السكن والمواصلات فوق أجر شهري ضخم تأخذه الشركة مباشرة؟ وكيف تم تكييف ما تأخذه الشركات شرعيا مع ما تدفعه للعمال؟ وللحقيقة فإن عقود تقديم خدمات عمالية عقود غامضة وخطرة ويجب إعادة النظر إليها، فهي قد تفسر بطريقة خاطئة، كما أنها لا تضمن حقوق أي طرف سوى أنها تسمح للشركات نظاما بأكل أموال الناس بالباطل.
إنشرها