ترشيد استهلاك الطاقة.. أطفئوا المصابيح رجاء
في السبعينيات من القرن الماضي كنت طالبا في جامعة مانشستر البريطانية. وكأي شاب في حينه لم أستوعب عبارة Save UMIST Save Energy التي كانت مكتوبة على لاصق بجانب كل مفتاح من مفاتيح النور والكهرباء في الجامعة.
والعبارة فيها جناس alliteration في اللغة الإنجليزية لأن فعل save له عدة معان، وأهمها "يدخر" و"ينقذ". وكان فحوى الرسالة التي تريد رئاسة الجامعة إيصالها لكل المنتسبين هي أن إنقاذ الجامعة من ضائقتها المالية يتطلب الاقتصاد في استهلاك الطاقة.
وتذكرت هذه العبارة في السنين الأولى من عملي كأستاذ جامعي في السويد. كم كانت دهشتي كبيرة لرؤيتي رئيسة الجامعة والعمداء لا يغادرون مكاتبهم قبل التأكد أن المصابيح كلها مطفأة وأن صنابير الماء مغلقة ضمن الحرم الجامعي برمته.
وكادت الأرض تبلعني عندما رأيت عميد كليتنا واقفا وينتظر قدوم الشخص الذي ترك صنبور الماء مفتوحا. كنت قد تركت الماء يجري لبعض الوقت للحصول على الماء البارد لأن جريان الصنبور لأول وهلة يكون دافئا.
والناس هنا في السويد تشرب الماء مباشرة من الصنبور. ماء الإسالة أفضل بكثير من الماء المعبأ في القناني.
وعند عودتي بعد أقل من دقيقة كي أملأ القدح في يدي بالماء البارد، فإذا العميد يصرخ في وجهي: "ما هذا الاستهتار يا ليون!" فما كان مني إلا الاعتذار والوعد بأنني لن أفعل ذلك في المستقبل.
وتذكرت العبارة ذاتها أثناء عملي الصحافي والتدريسي في البلدان العربية وعلى الخصوص الخليجية منها.
لم ألحظ أن الناس تكترث البتة لاستهلاك الطاقة والماء مثلا.
الأنوار تبقى مشتعلة ليل نهار في الصفوف والمكاتب مثلا. ليس هذا فقط، بل إن أجهزة التبريد التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة تدور ليل نهار دون توقف بغض النظر عن حاجة الناس إليها.
القول إن مصادر الطاقة "النفط والغاز" متاحة وميسرة وبكميات هائلة ورخيصة الثمن، لا يبرر على الإطلاق الإسراف في استهلاكها. كل برميل من النفط أو قدم مكعبة من الغاز يجري ادخارها معناه زيادة في الصادرات ومن ثم المداخيل بالعملة الصعبة.
ومن ثم مصادر الطاقة الهيدروكربونية التي تعد عماد الاقتصاد لدى هذه الدول مصادر نابضة. وكل برميل أو متر مكعب يبقى في باطن الأرض معناه ادخار للأجيال المقبلة.
وإن نظرنا إلى إسالة الماء في هذه الدول لرأينا أن أغلبيتها الساحقة تعتمد على معامل التحلية، وهذه مكلفة جدا من حيث الإنشاء والتشغيل.
إن كانت هذه الدول غنية بمصادر الطاقة، فهي تعد من أفقر دول العالم في مصادر المياه العذبة ولهذا تلوذ بصناعة التحلية التي فيها قد تكلف كل قدم مكعبة من الماء سعر برميل من النفط.
ومع ذلك، تعد نسب استهلاك الماء في الدول هذه أعلى من دول ترويها الأنهار والبحيرات العذبة.
وتذكرت المقولة التي كنت أقرأها في جامعة مانشستر في السبعينيات من القرن الماضي قبل يومين أيضا وأنا أقرأ تقريرا عن شركة تويوتا العملاقة التي قررت إغلاق بعض المصاعد الكهربائية في مقرها في طوكيو في سبيل الادخار ومواجهة ارتفاع سعر صرف الين (العملة اليابانية) أمام الدولار.
زيادة قيمة عملة أي بلد صناعي معناه ارتفاع أسعار الصادرات وانخفاض في القدرة التنافسية مع المصدرين الآخرين.
ومن الإجراءات الأخرى التي اتخذتها لتقليص النفقات إعادة ضبط استهلاك أجهزة التبريد في الشركة بما يتناسب ودرجات الحرارة.
وشركة تويوتا شركة جبارة حيث بلغ ما جنته في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام رقما قياسيا وصل إلى 23 مليار دولار. أطفئوا المصابيح رجاء!