رياض تحت الرياض .. اقتصاد مفقود

الرياض مركز اقتصادي رئيسي وقوة دافعة للاقتصاد غير النفطي في السعودية، وتتجه لتكون من أكبر اقتصادات المدن في العالم من خلال تنويع القطاعات الاستثمارية. وتشمل أركان اقتصادها قطاعات حيوية مثل التمويل، والصناعة، والتجزئة، والسياحة، والتقنية، مع التركيز على جذب الاستثمارات الأجنبية والعالمية، وتنمية المواهب، وتطوير البنية التحتية لمواكبة رؤية 2030.
ومن هذه المقدمة فإن ما تحتاجه العاصمة السعودية الرياض هو أن يكون هناك مدينة أخرى تحت الرياض التي نعرفها مدينة تسهم في إحداث التنفس المطلوب في الحركة المرورية وتوسيع نطاق الخدمات وتوفير جودة حياة أفضل لسكان العاصمة والأجيال المقبلة.
كل المدن والعواصم الكبرى في العالم لديها مدن بكامل خدماتها تحت الأرض تحتضن الخدمات الأساسية منظومة متكاملة ومترابطة من لندن وحتى نيويورك ومن نيودلهي إلى سيدني. لندن "أندرجراوند" تخدم العاصمة البريطانية من دون أن يشعر السكان لأكثر من 70 عاما وتوفر جزءا من نشاط المدينة وضجيجها ونيويورك وغيرها من عواصم العالم تشهد النموذج نفسه.
لذا فإن التفكير في وضع إستراتيجية لإنشاء مدينة تحت العاصمة السعودية الرياض بلا شك بات حاجة ملحة ومهمة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030 وما بعد الرؤية.
نلمس أن هناك حالة من عدم القدرة على التوسع أكثر في النطاق الجغرافي للعاصمة الرياض وعندما نتحدث عن مدن تحت الأرض نحن نتحدث ليس فقط عن مسارات المواصلات والتنقل بل مدن تشمل مراكز تسوق ومجمعات خدمات حكومية ومواقف سيارات ومسارات قطارات ومحطات خدمات للغاز والكهرباء وقد نصل مستقبلا لطرق للسيارات ومساكن.
السعودية بدأت في مثل هذه المشاريع، اليوم هناك درعية تحت الدرعية بكامل خدماتها التي يمكن لك أن تتخيلها من مواقف للسيارات ومراكز خدمة حكومية وخاصة وفنادق ومراكز شرطة، أيضا مترو الرياض أسهم الآن بوضع نقاط كثيرة تحت الأرض تقدم خدمات متنوعة بل إن بعضها يحتوى على مقاهٍ ونقاط تسوق كما هي الحال في محطتي قصر الحكم والمركز المالي، وذلك بلا شك سيسهم في الحد من الازدحام فوق الأرض سواء في الطرق أو في مراكز الخدمات الحكومية أو كنقاط جذب ترفيهية، مشروع ذا لاين في نيوم فكرة عالمية مبتكرة في هذا الإطار، كما أن تجربة مكة المكرمة في وضع جزء كبير من نشاط مكة تحت الأرض ملحوظ منذ سنوات عدة.
المقصود هنا ليس فقط عمل مشاريع البنية التحتية تحت الأرض بل إنشاء ما يشبه مدينة ثانية "رياض أخرى تحت الرياض" خاصة أن البيئة المناخية للرياض وطابعها الجغرافي يتطلب ذلك أكثر من أي مدينة أخرى في السعودية في ظل درجات الحرارة العالية التي تشهد طوال أيام السنة، ما أريد قوله أن هذه المدن في بعض دول العالم تدير نحو 10% إلى 20% من اقتصادها سواء اقتصاد مرتبط بالتنقل أو بخدمات التجزئة أو بخدمات الطاقة والاتصالات أو غيرها من الخدمات التي يحتاجها سكان المدينة، تدار تحت الأرض حتى دون أن يشعر السكان فوق الأرض بهذا التداخل إلا عندما ينزل إليها ويحتاج إليها فقط.
‏بالتأكيد إن مشاريع البنية التحتية تحت الأرض هي مشاريع مكلفة وتحتاج وقتا كبيرا وتخطيطا عاليا وقد يكون تنفيذها بعد بناء المدن أصعب من تنفيذها خلال إنشاء المدن ولكن السعودية بالقدرات التي تمتلكها سواء مادية أو بشرية إضافة إلى الرؤية الواسعة للقيادة يمكنها أن تسهم في تحقيق هذا المستهدف على المدى البعيد. لخدمة العاصمة الرياض ما بعد 20 عاما أو 30 عاما أو حتى 50 عاما مقبلة.
‏قد يكون خبراء تطوير المدن والمعماريون ومختصو التطوير الحضري أقرب إلى وضع تصور أوسع لهذه الفكرة ومدى جدواها على حياة السكان، ولكني أتحدث من منظور اقتصادي، إن هناك جزءا من اقتصاد المدينة مفقودا في هذه المساحة الهائلة تحت العاصمة الرياض ويمكن الاستفادة منه مستقبلا وعلينا التخطيط لذلك من الآن.
رئيس التحرير

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي