عفوا .. الطريق مغلق

بداية، ليعذرني القارئ الكريم كون المقال مملوءا بعلامات الاستفهام، وليسمح لي أولا أن أقتبس من الفيلسوف الصيني لاو تزو، قوله: "إن الشجرة العملاقة قد نشأت عن طريق سويقة"، وهي مقولة مبنية على مقاربة الاستمرارية والاهتمام والتطور، والأمر نفسه ينطبق على مؤشرات وجوائز وشبه هيئات لها علاقة بالاستدامة في السعودية، ضمن سلسلة إجراءات بدأت مع الألفية الجديدة، لدفع القطاع الخاص للقيام بدوره تجاه المجتمع والبيئة بروح من المسؤولية إلى أن يدرك أن العمل الصالح تجاههما ذو قيمة.
ولكون النقطة الأساسية هي أن المؤشرات ليست فقط من أهم أدوات القياس، خاصة أنه لفترة طويلة كانت الدول تعتمد على أرقام الناتج القومي لتصف قوة أدائها الاقتصادي، إلى أن باتت الثروات البشرية والبيئية هي المقياس الذي يعكس واقع الأداء الاقتصادي، إضافة إلى الدخل لكثير من الدول، و"المؤشر" بطبيعة الحال يمكن صناع القرار من دراسة تأثير الأداء الاقتصادي في هذه الثروات وصنع سياسة ذكية لتنمية مستدامة، ومن هنا اكتسبت المؤشرات عالميا أهميتها لدرجة تأثيرها في قيمة أصول الشركات.
وبالطبع لن أستطيع أن أحكم إذا كانت هذه المؤشرات وما في حكمها تسير في الاتجاه السليم أم لا إلا إذا تمت الإجابة عن الأسئلة القادمة:
ـــ كيف تحقق مؤشرات الاستدامة هدفها خاصة أنها تعامل كجزء منفصل عن القرارات الحكومية، خاصة مع غياب رؤية تنموية وطنية بعيدة المدى؟
ــــ كيف تساعد المؤشرات القطاع الخاص في منظومة الاقتصاد الوطني؟
ــــ كيف يتم ربط المؤشر بدلالات ومعايير دقيقة حتى تنجح في بناء ثقافة مستدامة لدى ما يسمون (أصحاب المصالح)؟
ــــ كيف نضمن نزاهة المعايير والنتائج في مؤشرات موضوعة من قبل جهات ليس لها صلاحية في الاستدامة؟
أعتقد أن المسألة اليوم ليست في إطلاق مؤشر لقياس المسؤولية الاجتماعية، بل في التفكير على المدى الطويل، وكيف نسهم في تطوير أدائه ونموه ليصبح المؤثر الأكبر في الشركات. فالمؤشر الناجح الذي يؤصل أن الربحية والنمو ضروريان للشركات ولكن تحقيق الاستدامة هي القوة التي تمكنها من تعزيز قيمتها على المديين القصير والبعيد.
على سبيل المثال، في عام 1882 ومن نشرة مسائية بخط اليد لأهم 12 شركة أمريكية، في الطابق السفلي لأحد المباني، بدأ تشارلز داو، وإدوارد جونز، وتشارلز بيرجزستريسر، العمل على أهم مؤشر عالمي "مؤشر داو جونز" الذي بات الآن مرجعا للمستثمرين حول العالم لأكبر 2500 شركة عالمية. وفي عام 1999 أطلقت عائلة المؤشرات المعنية بالاستدامة Dow Jones Sustainability Indices بالتعاون مع SAM، المهتمة بتقييم الأداء المستدام لأكبر 2500 شركة مدرجة، وتعد الآن من أطول معايير الاستدامة عمرا حول العالم وأهم المراجع للمستثمرين والمهتمين والشركات في مجال الاستدامة.
حتى أصحاب المصالح من "مؤسسات مجتمع مدني ومجتمع محلي ومستهلكين ووسائل إعلام" ليسوا بمنأى عن المساءلة، فهم إما غير مؤسسين فعليا كمؤسسات المجتمع المدني، أو لا يمارسون دورهم المنوط بهم.
مثلا وسائل الإعلام محليا، لا تمارس دور المحلل لطبيعة المؤشرات أو البرامج التي تطلق باسم "الاستدامة" وتكتفي بتغطية الأخبار من منظور واحد يأتي غالبا على شكل نشرات إعلامية من الجهة نفسها دون أن يمارس الصحافي حقه في طرح الأسئلة التي تضع أي تحرك باتجاه الاستدامة محل نقاش وتحليل وتقييم.
وفي رأيي أنه لو مارس الإعلام دورا أكثر صرامة وبشكل مهني أكثر تخصصا فإنه حتما سيحدث فرقا ملموسا في تعاطي الشركات بشكل أكثر جدية مع النمو والاستدامة.
ختاما، هل سنرى بعد 20 عاما مؤشر استدامة سعوديا تم إطلاقه اليوم وما زال على قيد الحياة.. أم أن المسألة لن تتعدى حفل الإطلاق وفلاشات الكاميرات؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي