Author

عيون «المصارف» لا ترى اللون «الأخضر»

|
يوميا، تتدفق المعلومات والأرقام والإحصائيات حول نمو الاستثمار في مفهوم "الصناديق الخضراء" أو "الصناديق الأخلاقية"، التي تقوم باختصار على الاستثمار بأسهم الشركات التي تلتزم بمعايير مسؤولة ومستدامة أو أنشطة لها طابع الاستدامة، وتتميز بكون أعمالها التشغيلية "صديقة للبيئة". ليست مبالغة أن أقول إن معظم المصارف السعودية والعربية ترتدي "نظارة سوداء" تجاه هذه الصناديق الاستثمارية، مكتفية بالأداء التقليدي لصناديقها التي تطرحها بين وقت وآخر، على الرغم من رفع تلك المصارف شعارات جذابة تخاطب الحواس وتعزف على وتر اهتمامها بالاستدامة وإصدار تقاريرها غير المالية لتقول إن لديها نشاطا مرتفعا في مجال الاستدامة. الصواب حقا؛ أن تجاهل مصارفنا العربية في أعمالها الداخلية ومنتجاتها الذاتية ما يشكل قوة ضغط لدفع الشركات على تحسين أنشطتها تجاه البيئة والموارد الطبيعية والتنمية البشرية من خلال فتح صناديق استثمارية ذات عوائد مشجعة هو مربط الفرس في هذا السباق اليومي على فتح الصناديق التقليدية. ما يجعل المصارف عنصرا أساسيا في الهدر البيئي والتلوث المناخي وتدهور مستوى الصحة العامة للأفراد نتيجة عدم محاولتها فعل أي شيء من أجل المستقبل! العجيب في الأمر أن عوائد الصناديق الخضراء في العالم تتفوق في كثير من الأحيان على الصناديق التقليدية، فعلى سبيل المثال قدرت The Global Climate Prosperity Scoreboard أن 1.248 تريليون دولار، تم استثمارها في القطاعات الخضراء منذ عام 2007 إلى 2010، وتتوقع المفوضية الأوروبية تضاعف حجم سوق الخدمات الخضراء والمنتجات والتقنيات المتعلقة بها عالميا إلى 2.2 تريليون دولار بحلول عام 2020، ولكل 20 يورو عوائد كل يورو يتم استثماره في الصناديق الخضراء في الاتحاد الأوروبي أضف إلى ذلك نمو الاقتصاد الأخضر في بريطانيا بنسبة 5 في المائة في كل من 2014 و2015، ورغم ذلك تتجه كثير من المصارف المحلية والعربية لسياسة ذر الرماد في العيون بتبني تبرعات نقدية أو عينية محدودة في أنشطة خيرية تحت اسم خدمة المجتمع رغم أنها أنشطة لا تتسم بالاستدامة ولا بتحقيق الحد الأدنى من مسؤولية المصارف تجاه أصحاب المصالح وعلى رأسهم المجتمع المحلي. وفي أحاديث كثيرة تجمعني بقياديين في مصارف محلية وعربية على هامش منتديات اقتصادية، ألتمس ثقافة عالية في جوانب الاستدامة وفهما عميقا لتوجهاتها وآثارها الإيجابية في الاقتصاد الوطني لأي دولة، ومع ذلك حين تأتي صناعة القرار، أجد نفسي مثل كثير من المتابعين والمختصين في حالة ذهول من فجوة واسعة بين ما نسمع في المنتديات وما نراه على أرض الواقع! إن مسؤولية المصارف ليست في تبني استثمارات خضراء كالصناديق الأخلاقية التي تستبعد أي شركات لها أنشطة ضارة، بل عليها مسؤولية في مراجعة تسهيلاتها المصرفية من قروض للشركات وهل سيتم استغلال تلك القروض في مشاريع لا تحترم البيئة أو الصحة؟! وهل ستعمل تلك المشاريع على توليد فرص عمل للمواطنين أم أن حسابات القرار بالموافقة أو الرفض هي حسابات رقمية فقط؟! السؤال الذي يرفع حاجبيه اليوم: متى نرى المصارف المحلية والعربية تتنافس في استثمارات مستدامة تشجع وتساند وتدعم وتراقب وتربح بطبيعة الحال .. متى؟!
إنشرها