Author

«النقل المستدام» .. حوار على طريق «التنمية»

|
حين نتأخر عن موعد عمل، نعتذر بزحام المرور، وحين نفكر في زيارة مريض أو قريب نتذكر الازدحام المروري فنتكاسل عن واجب إنساني مهم، بل إننا أصبحنا نستخدم هذا العذر لدرجة أن نمط "النقل" في بلادنا أصبح مشكلة اقتصادية وتنموية كبيرة على كافة الأصعدة. ولكن هناك سببان رئيسان يعطيان المقال أهمية تنموية اليوم من حيث تحقيق الفكرة أهداف برنامج التحول الوطني. خاصة إذا عرفنا أن قطاع النقل يتميز بالاستثمارات المكثفة وبالتالي الاحتكارية، وما عداه من الآثار البيئية. يقول، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، تشرشل إن "هناك فرصة في كل مشكلة" وهو ما تنبه له كثير من الدول المتقدمة حين أوجدت ما بات يعرف بمفهوم "النقل المستدام"، القائم على وسائل النقل الصديقة للإنسان والبيئة وذات التأثير والانبعاثات الأقل، ووسائل النقل العام المتوافرة وذات الكفاءة في التشغيل. هذه الأيام يدور في بلادنا حراك اقتصادي على مستوى صانع القرار يتعلق برسم سياسات وتشريعات جديدة للاستثمار وإعادة رسم المحفظة الاقتصادية الوطنية، وهي فرصة لأن نرفع أعيننا قليلا لنرى عشرات الأفكار التي يمكنها إحداث نقلة كبيرة على مستوى التفكير الجمعي، ودراسة البدائل المستدامة، وحجم المشكلات التي يمكن تحويلها لفرص استثمار واعدة، ومن بينها قطاع النقل، الذي يتسبب يوميا في رفع فاتورة التكاليف الحكومية سواء الصحية من خلال الحوادث المرورية وتبعاتها ممن تخسرهم البلاد من الكفاءات، وصولا لتكاليف الصيانة والتشغيل نتيجة الأعباء الكبيرة التي تتحملها الطرق في السعودية، هذا إضافة إلى الضوضاء والزحام التي يؤثر كل منها في الإنتاجية ونمط الحياة. إن استحداث وتطبيق منظومة نقل مستدام يسهم في تحويل قطاع النقل في بلادنا إلى رافد مهم في الاستثمار والتوظيف أمر مهم. بينما تواجه بدائل النقل في بلادنا تحديات كبيرة على مستوى القرار والسلوك والأنماط المعيشية وكلها تصب في مجرى واحد: تعطيل التنمية المستدامة إثر انسداد شريان "النقل الحضري" وبالتالي صعوبة تدفق التقاطعات الحياتية والاقتصادية والمهنية والصحية إلى قلب العملية التنموية، لتجد الحكومة ممثلة في وزارة النقل وأمانات المدن نفسها في كل مرة مضطرة لإجراء عمليات قلب مفتوح لطرقات وشوارع مدنها، باعتماد مشاريع جديدة في قطاع النقل لكن معظمها لا ينسجم على مستوى الرؤية مع مفهوم "النقل المستدام " الذي يجعل الجميع شريكا ومسؤولا ومساهما في إنجاح استدامة هذا القطاع الحيوي. اليوم، نحن بحاجة إلى أن تعيد الأنظمة المرورية النظرة تجاه أساليب إدارة الحركة بما يعرف بمفهوم "التنبؤ والتقدم" الذي يقوم على "تصميم الطرق بسعة كافية لتكون عند المستوى المتوقع لنمو الحركة المرورية، حيث تكون مستويات الازدحام المروري ومدة التأخير مقبولة"، وأن يجد الإنسان أكثر من خيار للانتقال من مكان إلى آخر، وأن يجلس الجميع حول طاولة مستديرة لمناقشة كيف أن استراتيجية وطنية لـ "النقل المستدام" تمتاز بقابليتها للتنفيذ، وكيف أنها ستكون حلا لقائمة طويلة من المشكلات المثقلة بها بلادنا، منها الاستقدام المفرط للعمالة الأجنبية كالسائقين، والحوادث المرورية المفجعة على الطرق السريعة، والهدر الكبير لأوقات العمل، وزيادة تكاليف السلع نتيجة رفع أسعار الوقود، وما يترتب على كل هذا وذاك من فواتير جانبية تدفعها الحكومة ويدفعها المواطن كان بالإمكان استخدامها في مشاريع أخرى لتسريع وتيرة التنمية المستدامة، وتحسين كفاءة العيش، وتحقيق الرفاه الاجتماعي.
إنشرها