موسم الحج .. إعلاميا
قلت في مقالات سابقة إن موسم الحج مظلوم إعلاميا.. ذلك أن هذا الحشد الكبير الذي يحدث سنويا فيه كثير من الجوانب المشرقة والصور الجميلة، التي لم تجد ما وجدته حادثة سقوط الرافعة من الاهتمام الإعلامي محليا وعالميا.. وبالطبع أنا لا أقصد بالجوانب المشرقة أو الصور الجميلة في موسم الحج تلك الخدمات المقدمة من الدولة للحجاج، وإن كان الثناء عليها حسن ومطلوب.. وهذا ما يقوم به الإعلام الرسمي بشكل مناسب.. لكنني أقصد مواقف إنسانية لا يعلم عنها أحد ولا تكاد تظهر إلا في صورة غير مقصودة، ومنها صورة ذلك الجندي الذي يسكب الماء البارد على رأس حاج مسن ليخفف عنه حرارة الجو.. وهذا التصرف بكل تأكيد ليس من واجبات ذلك الجندي لكنها لفتة إنسانية لا يتطرق إليها الرياء بأي شكل من الأشكال.. ثم هناك مئات الشباب والشابات المتطوعين لخدمة ضيوف الرحمن في مكة المكرمة والمدينة المنورة.. ويبدأ ذلك بالترحيب بهم وتقديم الهدايا لهم ورسم الابتسامة على وجوههم بعد عناء السفر وتعب الرحلة الطويلة للوصول إلى هذه البلاد المقدسة.. ويكفي أن تنظر إلى شاب في مقتبل العمر ترك أهله وأصحابه المسافرين في رحلة إلى الخارج لقضاء إجازة العيد وجاء إلى مكة متطوعا في الكشافة لخدمة الحجاج.. أن تنظر إلى هذا الشاب يتصبب عرقا وهو يدفع كرسيا عليه حاج مقعد تاه عن حملته ليوصله إليهم .. وهو لا يتقاضى مكافأة أو راتبا وإنما تكفيه الدعوات الصادقة من هذا الحاج التائه أو ذويه الذين كانوا في أشد القلق عليه.. ويماثل ذلك صورة المتطوعين والمتطوعات الذين يوزعون الطعام والمياه وكتيبات الإرشاد على الحجاج تحت أشعة الشمس الشديدة.. والصور كثيرة لكن لا أحد يهتم بما يجري في هذا الحشد السنوي الكبير الذي لو حدث في بلد آخر وحضره إعلامي أو كاتب سعودي لأشاد به وأخذ يذكره بين الحين والآخر في مقالاته وتغريداته.. ونحن بذلك نكرس ونطبق مقولة "زامر الحي لا يطرب" وإلا فإن تجمع الحج لدينا ليس له مثيل، فهو تجمع إيماني كبير تزول فيه الفوارق ويظهر فيه الناس على حقيقتهم، وتحدث فيه مواقف تستحق أن تؤلف عنها الكتب وتكتب المقالات حول طباع الناس وتصرفاتهم في مثل هذه المواقف.
وأخيرا: لا أدري من هو المقصر في جعل موسم الحج يمر كأي مناسبة عادية تتغير فيها برامج الإذاعة والتلفزيون لدينا لمدة أسبوع فقط لتغطية الجوانب الرسمية وهو ما تفعله وسائل إعلام الدول العربية والإسلامية، بينما صحافتنا وكتابنا لا يتفاعلون مع هذه المناسبة اجتماعيا بحيث يرصدون الصور الجميلة التي أشرت إلى بعضها ويقومون بمقابلة المفكرين من العالم العربي والإسلامي والأقليات المسلمة في دول العالم لمعرفة تحليلاتهم ومرئياتهم عن هذا اللقاء الكبير وكيف يجب أن يكون في المستقبل.. هل تتحمل هذا التقصير جهة واحدة أم عدة جهات لها علاقة بموسم الحج وتأمين التغطية الإعلامية له من جميع الجوانب لكونه حدثا مهما نفخر في هذه البلاد بنجاح تغطيته في كل عام.