مترو الرياض .. والمشهد العمراني للمدينة

في يناير من العام الماضي وقبل بضعة شهور من انطلاق أعمال التنفيذ في مشروع مترو الرياض (المتوقع انتهاء تنفيذه في 2018) كشفت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عن أنظمة البناء الجديدة على مسارات المترو والباصات التي تشمل نحو 17 طريقا وشارعا. تغيير أنظمة البناء كان أمرا متوقعا وهو أحد التشريعات التي تسعى من خلالها الهيئة العليا إلى إنجاح وزيادة الإقبال على استخدام المترو من قبل السكان. ما كان غريبا ومخيبا للآمال هو أن نظام البناء الجديد ليس إلا عبارة عن جدول من صفحة واحدة فقط، حسب جدول الأراضي التجارية التي تقع على المسارات المذكورة تكون فيها نسبة البناء للدور الأرضي 50 في المائة من مساحة الأرض (الوضع الحالي 60 في المائة). إضافة إلى ذلك، تم رفع عدد الأدوار المسموح بها إلى أربعة أدوار بدلا من دورين. معنى ذلك أن باقي التشريعات متعلقة بالارتدادات، واستخدام الأراضي والمواقف وغيرها ستكون مماثلة لنظام البناء للطرق الأخرى التي لا يمر عبرها المترو أو الباصات.
ما تحتاج إليه الرياض هو نظام خاص بالمناطق المحيطة وعلى طول مسارات النقل العام الجديد (176 كيلو مترا طوليا دون حساب مسارات الباصات). هذا Transit overlay district يطلق على هذا النظام لا ينظم فقط كثافة البناء وعدد الأدوار (يعتبر هذا مجرد جزء بسيط من النظام)، بل يتعدى ذلك إلى ضبط استخدامات الأراضي، عمق ومساحات الأراضي المطلة على الطريق، نسبة المواقف، توجيه المبنى، الارتدادات الأمامية والجانبية. وهذه الأمور شديدة الأهمية (والغائبة عن النظام الذي أصدرته الهيئة) تسهم بشكل فعال في نجاح النقل العام في الرياض حيث تكون هذه التشريعات مفصلة بشكل خاص لهذه الأراضي التي تقع على مسارات المترو والباصات.
أحد أهم الجوانب التي عادة ما تتناولها أنظمة البناء على مسارات النقل العام هو تعزيز ثقافة المشي على الأقدام حتى الوصول إلى محطة المترو أو الباص الذي سيوصل الراكب إلى وجهته. التغافل عن هذه النقطة من الأهمية بمكان للدرجة التي قد تكون هي أحد أسباب فشل مشروع المترو والنقل في الرياض ولسبب بسيط هو أنه حتى يصل الراكب إلى المترو أو الباص فإنه سيضطر إلى المشي مسافة معينة على قدميه. فالباص أو المترو لن يصل إلى باب المنزل أو مقر العمل. وتعزيز الثقافة لا يكون فقط بالتوعية الاجتماعية وعن الآثار الصحية فقط، بل هو أمر مرتبط مباشرة بأنظمة البناء التي يجب أن يعالجها نظام البناء على مسارات النقل العام بشكل صارم وذلك من خلال أرصفة المشاة والتشجير ومنع المواقف أمام المبنى وجعلها فقط خلف المبنى حتى لا يشعر من يمشي أنه أمام غابة من السيارات. الاهتمام بأرصفة المشاة ليس من باب الترف أو العاطفة بل هو أمر حيوي لنجاح مترو الرياض والتحجج بحرارة الجو في عدم تنفيذها هي حيلة العاجز. هناك تجارب عالمية لمدن ذات أجواء حارة ومقاربة لأجواء الرياض استطاعت تجاوز هذا العائق الكبير عبر تشريعات وأنظمة فعالة.
نظام البناء الخاص بمسارات النقل العام يجب أيضا أن يتفاعل مع محطات الوقوف للمترو ويعطيها الاهتمام اللازم عبر تمييز الأراضي الواقعة حول محطة الوقوف بقطر معين (نحو 500 متر) عن تلك الأراضي الواقعة على امتداد مسارات النقل العام لكن ليس أمامها أو قريبا منها محطات توقف للمترو أو الباص (التي يجب أن تخضع للتنظيم الذي ذُكر بالفقرة السابقة من ناحية أرصفة المشاة والمواقف وخلافه). هذه المناطق التي تقع ضمن قطر الـ 500 متر تخضع لنظام خاص أيضا تكون بعدد محطات توقف المترو الـ 85 حيث تتكامل فيها استخدامات الأراضي مع النقل العام أو من ناحية الاستخدام، حجم الأراضي، عدد المواقف وموقعها وعدد الأدوار. الهدف من ذلك تشجيع تطوير العقارات للاستخدامات المتعددة من خلال وجود متاجر للتجزئة، مطاعم، مقاه، مكاتب إضافة إلى وحدات سكنية وهو الأمر الذي سيضيف سببا آخر لسكان المنطقة المحيطة إلى تقليل اعتمادهم على السيارة بل وربما التنازل عنها نهائيا بسبب وجود جميع الخدمات ضمن مسافة قابلة للمشي ووجود محطة للمترو أو الباص التي تنقلهم إلى مناطق مختلفة من المدينة.
حسب الخريطة المنشورة لمشروع مترو الرياض، ستكون هناك 85 محطة توقف للمترو (بخلاف محطات توقف الباصات). لسوف يكون الخطأ فادحا بحق المدينة وبحق مشروع النقل العام إذا تم ترك مهمة التشكيل البصري والتخطيط العمراني لجدول من صفحة واحدة تم عمله على عجل وتمت إضافته للتشريعات الحالية. سوف يكون الخطأ فادحا إذا لم يتم تعديل ذلك وتشريع أنظمة عمرانية وتخطيطية تستجيب، وتتفاعل وتتناغم مع توقف المترو وحركته. الأنظمة العمرانية في مشاريع النقل العام حول العالم كانت وستظل أحد الأسباب الرئيسة لفشل أو نجاح النقل العام. العمل على نظام بناء يحتفي بمسارات المترو ويهيئ له أسباب النجاح أمر يجب أن تعلو به أصوات المخططين العمرانيين، المعماريين، المطورين العقاريين والسكان. من المهم أن يكون هناك نقاش متواصل وورش عمل للاستماع إلى الآراء المختلفة.
مترو الرياض سيعيد رسم المشهد العمراني للمدينة وهذا يضع الرياض أمام فرصة لا تتكرر لتغيير وتطوير ذلك المشهد. هذا التغيير قد يكون سلبيا أو إيجابيا وذلك تبعا لقوة أو ضعف نظام البناء الخاص بالمناطق التي تخترقها مسارات النقل العام. مئات الكيلومترات الطولية من الأراضي الواقعة على خط المترو سيتم إعادة تطويرها عاجلا أو آجلا للاستفادة من أنظمة البناء الجديدة. المشهد العمراني الحالي سيتغير وإنما لا ينبغي الاكتفاء بالنظام الجديد الذي أعلنته الهيئة العليا. لذلك وضع نظام عمراني مفصل خاص بهذه المسارات هو أمر لابد منه لإنجاح مشروع النقل العام الذي تقدر تكلفته بـ 80 مليار ريال وبما يليق به.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي