حق المعدمين في الفرح

تسبب انتشار الفقر المدقع بشكل واسع في الأزمنة السابقة في انتشار واسع لمظاهر نقص التغذية والجوع والمجاعات. وساعد التطور التقني والنمو الاقتصادي والمؤسسي والتعاون الدولي على التصدي للمجاعات والقضاء على الانتشار الواسع لها، كما خفض -إلى حد كبير- من انتشار أمراض نقص وسوء التغذية. وقد أنعم الله على الأرض وسكانها بموارد هائلة تفوق احتياجاتهم، وتوافر غذاء كافٍ لكل إنسان في العالم. ويستأثر البعض بموارد اقتصادية وأطعمة تفوق بكثير احتياجاتهم، بينما لا يجد البعض الآخر ما يكفي لسد رمقهم، ما يتسبب في انتشار الجوع وسوء التغذية. ولسوء ونقص التغذية مضار شديدة على صحة الإنسان ونموه وإنتاجيته، كما يؤثر في الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويعوق مسيرة النمو والتنمية في البلدان التي تعاني انتشاره.
وتعم الفرحة بيوت المسلمين عند حلول عيد الفطر السعيد، لكن الفقر المدقع ينغص على العائلات المعدمة فرحة هذا اليوم، حيث لا يتوافر لدى كثير منهم حتى قوت يومهم. وفرض الإسلام على أفراد المجتمع وبشكل عام إخراج زكاة الفطر، وهي حق للمعدمين والمحرومين من الطعام بالفرح والحصول عليه في يوم العيد. ومع أن حجمها الفردي أو قيمتها تبدو قليلة للتصدي للفقر والعوز، إلا أن إخراجها وتوزيعها على المعوزين يدخل على نفوس كثير منهم بهجة وراحة ولو لفترة العيد. ويبدو الفقر المدقع أو عدم القدرة على توفير الطعام الأساسي للأسر منخفضا في بلادنا أو منطقة الخليج بوجه عام، لكنه منتشر بشكل كبير في معظم بلاد المسلمين. وقد تسببت الأحداث المؤسفة في العالم الإسلامي في رفع معاناة عدد من الشعوب المسلمة كسورية والعراق واليمن، ورفعت عدد اللاجئين منها إلى أعداد غير مسبوقة. ووصل عدد اللاجئين في العالم حسب آخر تقديرات الأمم المتحدة إلى نحو 60 مليون لاجئ، معظمهم مسلمون. ولا يجد كثير من هؤلاء الحد الأدنى من أساسيات الحياة بما في ذلك الطعام. وستسهم زكاة الفطر في سد رمق كثير منهم، لو تم تنظيم جمع زكاة الفطر وتوجيه جزء منها إلى هؤلاء. ومع أن هناك قيودا فقهية على إخراج زكاة الفطر خارج حيز جغرافي معين، إلا أن هذا لا يمنع إمكانية تداول الرأي حول توجيه جزء منها لمساعدة اللاجئين، الذين يعتبرون من أشد الفئات احتياجا إلى المساعدة.
ويصل عدد المسلمين في الوقت الحالي إلى نحو 1.7 مليار إنسان، ينتشرون في أصقاع العالم كافة. ولا يعرف بالتحديد عدد مخرجي زكاة الفطر، ولكن يفترض أن يقوم كل مسلم قادر أو لديه فائض من الطعام بإخراجها. ولو أن نصف المسلمين أو أكثر بقليل قاموا بإخراج زكاة الفطر لوصل عددهم إلى نحو مليار شخص. ولو أخرج كل شخص من هؤلاء نحو ثلاثة كيلوجرامات من الأطعمة الأساسية، لوصلت كميات الأطعمة الأساسية المخرجة كزكاة فطر إلى نحو ثلاثة ملايين طن. وتكفي هذه الكمية لإطعام عشرات الملايين من البشر لفترة من الزمن قد تصل إلى سنة. ولو أخرجت زكاة الفطر ووزعت بكفاءة، حيث تستهدف الفئات السكانية الأشد فقرا -والذين يعانون نقص الطعام- لتلاشت مظاهر الجوع في العالم الإسلامي. ومن الصدف أن هذه الكمية تعادل تقريبا كمية الطعام التي وزعها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في عام 2013. ويقدم البرنامج مساعدات غذائية لنحو 80 مليون شخص حول العالم. فهل يستطيع المسلمون تنظيم وتوزيع جمع زكاة الفطر بشكل مؤسسي أفضل، للتصدي للجوع في العالم الإسلامي، خصوصا بين اللاجئين؟ أما فيما يتعلق بالمملكة، فيتم إخراج ما يزيد على 75 ألف طن من الطعام في زكاة الفطر. وتراوح قيمتها -بأسعار التجزئة- بين 300 و 400 مليون ريال، وتوزع على الفقراء والمحتاجين. وتكفي الأطعمة المخرجة في المملكة لإطعام أكثر من مليون شخص في العام، فهل يتم توزيعها على أشد الفئات احتياجا، أم أن هناك حاجة إلى دعم الجهد المؤسسي المصمم على استهداف أشد الشرائح السكانية احتياجا. وعلى الرغم من أن القيمة الإجمالية لزكاة الفطر في المملكة لا تبدو عالية، إلا أن استهدافها أشد الفئات فقرا يجعل منها أداة فعالة في محاربة الفقر، وإعادة توزيع الدخل في المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي