سعود الفيصل.. فارس الدبلوماسية
تعمدت ألا يكون في العنوان ما يفيد أن الأمير سعود الفيصل فارس للدبلوماسية السعودية أو العربية فقط لأنه بكل جدارة فارس الدبلوماسية العالمية.. فلا أحد يستطيع أن يصدح بالحق في المحافل الدولية مثلما فعل طوال 40 عاما.. وكان ختامها تلك المداخلة الشهيرة التي تكتب بماء الذهب في مؤتمر شرم الشيخ حينما رد بسرعة وقوة على رسالة الرئيس الروسي الذي تلاعب بالكلمات في استغفال واضح للحاضرين، لكن الفارس بشجاعة لا يملكها الكثيرون وضع النقاط على الحروف قبل أن يسكت صوت التصفيق لرسالة الرئيس الذي ظن أن رسالته سيصدقها الجميع.. وقبل هذه المداخلة فإن له العشرات بل المئات من الكلمات والتصريحات في المؤتمرات واللقاءات التي سمى الأشياء فيها بمسمياتها ولم يناور ويلف ويدور كما يفعل الدبلوماسيون.. ولذا فإن نظراته حتى قبل أن يبدأ الحديث كانت تزرع الخوف في نفوس خصوم بلادنا في المحافل الدولية لمعرفتهم بأنه سيقول كلاما صريحا ومقنعا حتى لو لم ترض عنه دول كبرى يخشاها الجميع.. وما زال الكل يذكر تصريحه المدوي من قلب واشنطن "إن أمريكا سلمت العراق لإيران على طبق من ذهب". وعودة إلى تصريحاته الموفقة نتذكر أجابته عن سؤال في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الألماني في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، حيث قال "ليس هناك تحفظ على إيران كوطن وكمواطنين وإنما التحفظ على سياسة إيران في المنطقة، ففي كثير من النزاعات تكون إيران جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل، ففي سورية مثلا لدى إيران قوات تحارب السوريين بطلب من نظام فقد شرعيته ولم يعد ممثلا للشعب السوري". وكان لفارس الدبلوماسية تصريحات مماثلة وسابقة للأحداث عن الأوضاع في اليمن والعراق وليبيا ومكافحة الإرهاب، وتوثيق هذه الكلمات والتصريحات يحتاج إلى كتاب وربما كتب يأمل الجميع أن تصدرها وزارة الخارجية لتكون مرجعا للباحثين والدارسين في الدبلوماسية الشجاعة على أصولها الصحيحة.
وحتى قبل عمله في وزارة الخارجية كان سعود الفيصل مثالا للتصرف الحكيم والتواضع الجم والثقة بالنفس، ويقال إنه ذهب في وفد بترولي برئاسة الوزير أحمد زكي يماني وكان هو وكيلا في وزارة البترول، وقد اجتهد رجال المراسم في الدولة التي زارها الوفد فوضعوا ترتيبات تقدم الأمير على الوزير في كل شيء باعتباره "ابن الملك" وبمجرد اكتشافه لهذا الترتيب قبل استعمال السيارة الفاخرة أو دخول السكن المميز رفض الأمر رفضا قاطعا وأفهم المنظمين أن الوزير هو الأول وهو من يستحق الترتيبات التي وضعت له وتعمد أن يسير خلف الوزير حتى يظهر لهم أنه المرؤوس وليس الرئيس .. وبذلك كبر في نظر الجميع.
وأخيرا: أختلف تماما مع من يقول إن فارس الدبلوماسية قد ترجل.. فالفارس لا يترجل حتى لو ترك صهوة الحصان الجامح، فهو يظل فارسا تشهد له الساحات ويجول بنظراته الفاحصة فيعطي النصيحة ويخافه الخصوم.. ولذا فقد بقي عضوا في مجلس الوزراء ومستشارا ومشرفا على السياسة الخارجية ما يؤكد استمرار صقر الدبلوماسية في التحليق عاليا لرفع اسم بلادنا في المحافل الدولية والدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية بكل شجاعة وقوة وبأسلوب مؤدب.