ناطحات سحاب من «الطين»

سنذهب في جولة نعود بكم فيها إلى ما قبل 700 عام، إلى حيث عظمة الإنسان وقدرته العجيبة على تحدي كل الظروف المحيطة به، سنتجول في أول ناطحة سحاب بنيت في العالم ليست من حجر ولا حديد مسلح، إنما من مكعبات من طين، ناطح بها اليمنيون السحاب، حيث لم يسبقهم أحد إلى ذلك لا يابانيون ولا صينيون ولا حتى أمريكان! قال عنها المستشرقون إنها "منهاتن الشرق الأوسط"، "شيكاغو الصحراء" و"أول ناطحة سحاب في العالم".
بنى اليمنيون "مدينة شبام" في حضرموت بهندسة عجيبة وطراز معماري فريد من نوعه لحماية أنفسهم من الغزو المتكرر عليهم من الأعداء، وبقيت شامخة تصارع تقلبات الطبيعة وعبث العابثين الذين لا يقدرون قيمة هذا الإرث الذي شهد له العالم، فنالت شرف العضوية في قائمة مدن التراث العالمي عام 1982 و"جائزة الأغا خان" في العمارة الدولية في العاصمة الماليزية.
ولشبام تاريخ أقدم مما ذكر بكثير حسب مؤرخ اليمن أبو محمد الحسن الهمداني، الذي يذكر: أن شبام بنيت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وأصبحت معروفة في القرن الثاني.
وتقع مدينة شبام على ربوة ترابية تحيط بها أراض زراعية، بنيت منازلها من اللبن "نوع من قوالب الطين"، تتميز بشوارعها الضيقة التي تتلوى تحت عمارات ترتفع إلى ما بين سبعة إلى ستة عشر طابقا بارتفاع يصل إلى نحو 40 مترا!
يصل سمك جدران الدور الأرضي للمنزل الشبامي إلى نحو مترين، ويتناقص هذا السمك كلما اتجه البناء للأعلى، وعادة ما تطلى المنطقة العليا من المنزل بطبقة من الجير الأبيض. ويكتمل سحر هذه البيوت بزخارف ونقوش فريدة نقشت على أبوابها الخشبية العتيقة.
خُصص الطابقان الأرضي والأول لدكاكين ومستودعات ولمبيت الماشية، تليهما الأدوار المخصصة للرجال واستقبال الضيوف، ثم تأتي الأدوار المخصصة للنساء وتسمى "المراوح"، وصممت بحيث تسمح للنساء بالانتقال إلى منازل الجيران عبر جسور ممتدة بين المباني، كما تسمح للرجال في أوقات الحروب بالتنقل من مبنى إلى آخر دون الاضطرار للنزول إلى الشارع.
وتتمادى تلك المدينة في إبهارك بنظام الصرف الصحي فيها الذي يتم عبر قنوات عمودية مكشوفة، تنقل المياه إلى قناة مشتركة في الأرض، تصرفها إلى خارج سور المدينة.
أما السور الذي يحيط بالمدينة فقد بني من الطوب الطيني بغرض تحصين المدنية قديما، ويراوح ارتفاعه ما بين 7.5 - 9 أمتار، وتوجد فيه بوابة وحيدة كانت تغلق ليلا، إمعانا في الحماية.
تعرضت "شبام" لبعض الأزمات مثل الفيضانات الغزيرة في عام 2008 التي دمرت أسس بعض المباني، كما شوهت رصاصات "تنظيم القاعدة" جدرانها الساحرة خلال هجوم إرهابي استهدف أمن واستقرار المنطقة، إلى جانب ما يجري ضد "شبام" من مؤامرات منذ زمن بعيد، لمنعها من أن تصبح وجهة سياحية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي