الدول العظمى راضية
لا شيء في السياسة يحدث مصادفة، ودون تخطيط، وإن حدث شيء غير متوقع فنحن لا نعلم بملابسات حدوثه، والإرهاب الذي يتناسل بيننا بدرجة مخيفة، لا بد من أيد سياسية خفية في العالم تستثمر في صنع الإرهابي، وتؤطر عقله لفكرة التدمير، ثم تتم عسكرته وتمده بكل ما يحتاج من مال وسلاح، ثم تعلن هذه الجهات براءتها منه، وقد تعلن الحرب على صنيعتها، والهدف مصالح تأتي بمصالح، وصناعة العدو في السياسة تساوي في الأهمية كسب الصديق.
لا يمكن أن يكون الإرهاب صنع نفسه، وكل الدول تعرف من أين يأتي وأين يصنع، وتعرف لمن يوجه وكيف يوجه، فليس مصادفة أن إيران وإسرائيل لا تتعرضان لأي إرهاب في وقت يضرب الإرهاب في كل بلاد العالم المتقدم، والمتخلف دون استثناء، وتبقى إيران وإسرائيل في مأمن من حزب الله والنصرة، وداعش، والقاعدة، وعصائب الحق والحوثي.
الإرهاب ببساطة يعني حربا كونية لتحقيق مصالح، وحماية مصالح، وما لم نفهمه بهذه الطريقة فلن نفهمه، ولن نستطيع مقاومته، فالإرهاب يعني حالة مستمرة لا يمكن هزيمتها وتنتهي بل ستبقى خلاياه النائمة لتصحو عندما يطلب منها أسيادها ذلك.
كي نتفهم هذا الإرهاب أكثر علينا أن نعي أنه جيش مجيش له ممولوه وداعموه، وأن هذا الجيش له عقيدة تدميرية، فهو يتصرف كجيش يحمي فكره، والفارق أن يزعم أنه يحمي عقيدة، وكل التحلل والتجاوز في جيوش الإرهاب مثل بيع المخدرات للتمويل، وتعاطيها وإباحة الجنس الحرام للجنود، كلها تهتكات خلقية تحدث في هذا الجيش الفاسد.
الفكرة ليست جديدة فهي حرب عصابات، الجديد هو عالميتها واتساع أهداف الإرهاب من هدف محلي في القديم لهدف أممي مطلق بلا حدود، ومع هذا المفهوم الأممي فإن ضرباته تتجه لبلدان دون أخرى.
ومهما بدا لنا أن الإرهاب في العالم حالة مستعصية فإن قطع شرايين تغذيته فكريا وماديا ستحد منه شيئا فشيئا، لكن الدول القوية في أوروبا وأمريكا تركت الإرهاب يتفاقم ويفرخ منذ الثمانينيات الميلادية، بأمل الاستفادة من غزواته والتهديد به، حتى أن دولا مثل بريطانيا وفرنسا تؤوي رموز الإرهاب علنا حتى بدأ يضربها في عقر دارها فالتفتت إليه.
إجمالا، لا أحسب الساسة حتى في الدول الفقيرة يجهلون أين ينبت الإرهاب وكيف يستثمر، ومن يمول ومن يوجه، لكنها سياسات الصيد في الماء العكر، فإذا علمنا أن الاستخبارات الدولية تقتل الجموع بدم بارد، نعلم أن الإرهاب أداة استخباراتية لسياسات دول كبرى، ومتوسطة، وصغيرة.