تعليم ريادة الأعمال في الجامعات

انتشرت وتنوعت البرامج والمواد الدراسية الخاصة بريادة الأعمال في الجامعات السعودية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وذلك لتحفيز الطلاب والطالبات لبناء نموذج أعمال يجلب ابتكاراتهم واختراعاتهم للسوق، وكذلك لدفعهم ليكونوا صناع عمل بدلا من طالبيه بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. في هذه الأيام، لا تكاد تجد جامعة إلا وتقدم على الأقل مادة واحدة في ريادة الأعمال، وعلى الرغم من أهمية هذه البرامج والمواد الدراسية في دفع الطلاب والطالبات لبدء مشاريعهم الريادية إلا أن أغلب هذه البرامج تدار بطريقة تقليدية.
الطريقة التقليدية في التعليم الجامعي من إلقاء المحاضرات، وعمل الاختبارات الدورية والنهائية أثرها ضعيف إن لم يكن سلبيا في تدريس ريادة الأعمال، وتعتمد هذه الطريقة التقليدية على نقل وحفظ المعلومة فقط. في حادثة طريفة ذكرها لي أحد أعضاء هيئة التدريس أنه وبعد انتهاء الفصل الدراسي، اقترب منه أحد الطلاب في مادة ريادة الأعمال وأخبره بأن الفائدة التي استفادها من المحاضرات والاختبارات أنه لا يرغب في أن يبدأ مشروعه الخاص، لأن احتمال الفشل والمخاطرة كبيران. الجدير بالذكر أن هذا الطالب كان أفضل طالب وحصل تقريبا على العلامة الكاملة في الواجبات والاختبارات.
في عام 2010، اجتمع ثلاثة من رواد الأعمال الناجحين في جامعة ستانفورد ليتحدثوا عن أهم الأمور التي لم يتعلموها في كلية إدارة الأعمال أو تعلموها بشكل غير صحيح، وأجمع المجتمعون على الأمور الثلاثة التالية:
الأمر الأول: تعلموا في كلية إدارة الأعمال أن القرار اتخذ بشكل عقلاني Rational، وأنه ينبغي أن يحسبوا حساب كل خطوة أو يعرفوا أشياء كثيرة قبل أن يبدأوا. لكن أدركوا في الحياة العملية أن القرارات لا تتخذ دائما بشكل عقلاني، بل في كثير من الأحيان العلاقات، العملاء أو بعض المؤثرات الأخرى تتحكم في الموقف. كما أدركوا أن هناك أشياء كثيرة لم يكونوا يعرفونها أو لم يحسبوا حسابها، لكن الاستعداد الدائم ومحاولة التأقلم ساعدتهم كثيرا.
الأمر الثاني الذي لم يتعلموه في كلية إدارة الأعمال، هو "العمل مع فريق عمل فعّال". تعلموا في الكلية ما الذي يجب عليهم أن يعملوه، لكن لم يتعلموا كيف يتعرف الشخص على نقاط الضعف فيه، ومن ثم يختار ويشارك شخصا آخر ليكمل النقص. لم يتعلم في الكلية كيف يستطيع حل الإشكال مع زميل العمل، وكيفية استغلال الاختلاف ليصبح قوة عملية. لا توجد فرق عمل في أغلب المواد الدراسية، وإن وجدت لا تستخدم بشكل فعال كأداة تعليمية تضيف للطالب/ة.
الأمر الثالث الذي لم يتعلموه في كلية إدارة الأعمال بشكل كاف هو "مهارة البيع". تعلموا مهارة عمل استراتيجية، وتطوير السلعة أو الخدمة، كيفية الحصول على تمويل من أصحاب المال الجريء، لكن تلقت مهارة "البيع" أقل اهتمام. في الواقع، من أكثر الأشياء التي شعروا بأنهم بحاجة إليها هي مهارة البيع، ليس فقط ليبيع السلعة أو الخدمة، بل حتى يستطيع أن يبيع فكرة الشركة للمستثمرين، وللموظفين، وللعملاء، ولأصحاب المصلحة المختلفين.
حتى تتجنب التنظير، اعتمد كثير من الجامعات في العالم الآن على أسلوب أكثر حيوية من التلقين والحفظ، خاصة في تعليم البزنس وريادة الأعمال، حيث يتفاعل الطلبة مع مضمون المنهج، ويتعلمون من خلال التجربة والخطأ، بل قد يكون المطلوب من الطلبة أن ينشئوا مشاريع خلال وقت محدود وبرأس مال محدود مع فريق عمل معين ليحفز الطالب/ة على الابتكار والإبداع ويتدرب ويفكر من خلال الواقع العملي (جوجل -إن شئت- تجربة Tina Seeling لترى الإبداع في تعليم ريادة الأعمال). وعلى الرغم من أن الجامعات السعودية تسعى وتوفر الإمكانات الكبيرة لتعليم ريادة الأعمال، إلا أن أغلبها يحتاج إلى إعادة تفكير في طريقة صياغة وتدريس هذه المواد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي