Author

إلى مديري الجامعات

|
في شباط (فبراير) الماضي أعلنت الصحف عزم وزارة الصحة بناء ثلاثة مراكز للتوحد في المملكة في كل من الرياض وجدة والدمام بتكلفة إجمالية تقدر بـ 900 مليون ريال، تحدث الخبر عن الاحتياجات الهندسية للمراكز ومساحاتها واعتمادها المعايير العالمية في البناء، لكنه لم يأتِ بسيرة تأهيل (العاملين في هذه المراكز التي ستكون ضخمة كما يبدو) أين هم الكوادر والكفاءات البشرية لهذه المراكز، وهي إن كانت ليست من اختصاص وزارة الصحة، بل هي بمبادرة من وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية في التنسيق مع القيادات في الجامعات لتعديل منهج التربية الخاصة مسار التوحد واعتمادهم المنهج المعتمد عالميا، وكل التخصصات المتعلقة بالتأهيل. المعروف أن تأهيل التوحديين لا يكون في تخصص واحد، بل في تخصصات متعددة، فإضافة إلى المتابعة الطبية من استشاري المخ والأعصاب واستشاري الطب النفسي للتوحد، يحتاج المصاب بالتوحد إلى أن يلتقي أسبوعيا بتخصصات أخرى للتأهيل وهي: إخصائي تعديل سلوك، إخصائي علاج وظيفي، إخصائي علاج طبيعي، إخصائي نطق وتخاطب. وكل التخصصات السابقة متاحة وتدرّس في الجامعات، لكن لا يوجد منها تخصص للتوحد تحديدا. ففي المستشفيات تتدرب إخصائيات للنطق والتخاطب من الجامعات دون أن تكون واحدة منهن متخصصة في النطق والتخاطب المتعلق بالتوحد، أي أن التوحد يعتبر تخصصا دقيقا داخل التخصصات المذكورة، ولا يوجد إخصائيون سعوديون في هذا التخصص الدقيق، والحاصل أنه يتم الاعتماد على خبرات خارجية (منفردة)، وهذا عجز شديد في الخدمة داخل المستشفيات والمراكز، فقد تجد مستشفى ضخما ومراجعين من مدن كثيرة لا يوجد فيه إلا إخصائي واحد للنطق والتخاطب مسار التوحد. لذا وإن كان خبر إنشاء المراكز الثلاثة يبدو مفرحا للبعض إلا أنه في حقيقته سيكون مجرد مبنى بإمكانات بشرية ضعيفة لا تسمن ولا تغني من جوع. ماذا لو استغل وقت بناء هذه المراكز الذي لن يقل عن أربع سنوات، وهي ما تعادل فترة الدراسة الجامعية فتتبنى الجامعات خطة جيدة لتدريس المسارات المتخصصة مستفيدة من آخر ما وصل إليه العلم، متمثلا في المنهج الأمريكي تحديدا في تأهيل التوحديين. مسار التوحد في تخصص التربية الخاصة هو مسار لا يعطي خريجاته أدنى قدر من العلم والتدريب المفترض ولا يستند إلى المرجعية العلمية المعتمدة عالميا، وهذا يعني ضياع وقت ومال وجهد الجامعات في تخريج طلاب وطالبات هذا التخصص. نحن في حاجة إلى وقفة مبادرة تكاملية من قيادات جامعاتنا لترجمة المنهج الأمريكي المعتمد للتوحد ينقل إلى العربية ومن ثم اعتماده للتدريس وتأهيل الطلبة، أو إن رأوا تدريسه كما هو دون ترجمة، هذا يعني تخريج كوادر تغطي هذا الفراغ الهائل في تأهيل التوحديين، الذي لن يسده وجود مبنى هندسي راق! وإن قامت الجامعات بحركة الترجمة للمنهج الأمريكي للتوحد فستكون المملكة خدمت ملف التوحد ليس في وطننا فقط، بل في أرجاء الوطن العربي كله. لن أستيقظ من الحلم وسأكمل بأن مشروعا كهذا لا يعتبر مشروعا خيريا بل هو استثمار أكيد بشري ومالي إن أحسنت إدارته وتنفيذه. لأن عدد الأطفال يتزايد، وإن كان حتى الآن لم يتم حصر الإصابات وإحصاؤها، لكنه في العالم بات كالوباء! كل عام وطاقاتنا الوطنية بخير!
إنشرها