الجائزة التي تتشرف بمن منحت له
قلما تتشرف جائزة محلية أو عالمية بالجهة التي تمنح لها. فالقاعدة المعروفة أن الجائزة تضيف مزيدا من الشرف والقيمة إلى الممنوح. هذا هو هدف الجوائز بشكل عام. وكثيرون جدا في هذا العالم يتطلعون إلى الجوائز لهذا الهدف في الدرجة الأولى، وبعد ذلك تأتي الأهداف الأخرى. مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الأمر مختلف عما هو متبع ومعروف. لقد منحته جائزة الشيخ زايد للكتاب في الإمارات، لقب شخصية العام الثقافية لعام 2014، وعلى الفور اعتبر أمين عام الجائزة الدكتور علي بن تميم، أن هذا الاختيار هو في الواقع تشريف للجائزة، ويضع مسؤولية كبيرة على عاتقها. وهذا يعني ببساطة، أن جائزة الشيخ زايد للكتاب، وضعت بهذا المنح سقفا عاليا لها، تواصل البناء على أساسه في مجال اختيار الشخصيات التي تستحق الجائزة.
هناك الكثير من الأسباب التي يمكن أن يشكل كل سبب فيها دافعا وأساسا لمنح خادم الحرمين الشريفين لقب شخصية العام الثقافية، سواء من الإمارات أو غيرها. وكلها أسباب لا تنحصر فقط في ماض هو محط اهتمام لا يتوقف من جانب الملك عبد الله، ولكن تشمل في الدرجة الأولى حاضرا ومستقبلا، يشكل مفاهيم جديدة تتماشى مع الاستحقاقات والتطورات، كما أنه يصحح مفاهيم كثيرة، باتت صانعة للمشكلات. كل ذلك، في إطار الثوابت الإسلامية التي تمثل الأساس في كل تحرك ثقافي وفكري وإنساني وعلمي للملك عبد الله. فالأسباب كثيرة، وجميعها لا يرتبط بالمشهد السعودي العربي الإسلامي فحسب، بل بالحالة الإنسانية ككل، واتصالها المحلي العربي الإسلامي. وكان دور خادم الحرمين الشريفين بهذا الخصوص محوريا على الساحة العالمية، سواء من خلال المؤسسات الإقليمية أو العالمية، إضافة "طبعا" إلى المؤسسات التي انطلقت وفق رؤيته المباشرة.
الأسباب كثيرة، يشكل مركز الملك عبد الله لحوار الأديان واحدا منها. وهو مركز يطرح الفكر الديني بأسمى صوره، والأهم بما يستحق حقا، وليس كما يراد له من الجهات المتطرفة الضالة المخربة الباحثة عن الأذى الدائم، سواء على الساحة الإسلامية أو غير الإسلامية. وهناك أيضا جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة، التي أثبتت أيضا أهمية قصوى في نقل التراث والثقافة البناءة، وتقديم الإنتاج الثقافي والأدبي العربي عالي الجودة، بالصورة التي يستحقها. وفي الأعوام الماضية، صب الملك عبد الله اهتمامه في إطار الاستراتيجية السعودية الشاملة المستدامة، على تطوير التعليم، ليس فقط من أجل التعليم، بل بما يتوافق مع متطلبات السوق والمستقبل. فالمسألة لم تعد تتعلق بالحصول على شهادات فقط، بل على مؤهلات مطلوبة للفرد والمجتمع في آن معا. يضاف إلى ذلك المبادرات الثقافية المرتبطة بالملك عبد الله، سواء محليا أو إقليميا أو عالميا.
إن المساهمات والمبادرات الفكرية والثقافية لخادم الحرمين الشريفين، تستند من ضمن ما تستند، إلى أساس ثقافة التسامح والاعتدال والحوار البناء بين أتباع الديانات والثقافات. وهذا ما يحتاج إليه العالم بالفعل في زمن بات فيه التطرف جزءا أصيلا من صناعة السياسات حول العالم. مبادراته تهدف أيضا إلى وقف نهائي للتشويه الممنهج للعروبة والإسلام، وتقديم إنتاج الثقافة العربية وفق الأطر الصحيحة والمفيدة، ليس فقط للجانب العربي، بل الإنساني أيضا.
عندما تتشرف جائزة الشيخ زايد بشخصية عام 2014 الثقافية، فإنها تضع لنفسها في الحقيقة منهجا جديدا للعمل والتحرك، ضمن الإطار قيمة ووزن ودور واستراتيجية هذه الشخصية. وهي كما قال المسؤولون عن الجائزة مسؤولية كبيرة للغاية، تتطلب مزيدا من العمل الذي يتوازى مع قيمة الجائزة والفائز بها لهذا العام.