حفر وردم .. و«الحسابة بتحسب»

طلبت المذيعة من المستمعين اقتراح موضوع تتم مناقشته في برنامجها الممتد لثلاث ساعات، وبعد الفاصل الغنائي بدأت في قراءة المقترحات وتمحور جلها في أزمة الحفريات في الشوارع وأثرها في العباد والبلاد والممتلكات.
رغم ما يعانيه المواطن من هموم حياتية تتضخم يوما إثر آخر وتثقل كاهله، كارتفاع أسعار السلع وعدم القدرة على تملك المسكن، إلا أن همومه في ذلك الصباح الباكر لم تتجاوز "الحفر" والمطبات، وكأنه أصيب بخيبة أمل ويأس من إمكانية حل أزماته الكبار، ولاذ إلى المطالبة بحل ما هو أدنى من ذلك بكثير ألا وهو "ردم" الحفر، وإزالة المطبات.
الحفريات لا تضر المركبة فقط، ولا تكتفي بارتطام رأسك بسقف السيارة والتسبب في حالة "إغماءة" لحظية لك، بل تتجاوزها إلى تهديد حياتك، ففي بداية الشهر الجاري ــ وفق المتحدث الإعلامي لهيئة الدفاع المدني ــ كاد سائق سيارة يفقد حياته بعد سقوطه بصحبة مركبته في إحدى الحفريات في العاصمة الرياض، ولم تخرج سيارته من "الحفرة" إلا بعد تدخل الدفاع المدني.
أزمة "الحفريات" أزلية ومنذ القدم، فمنذ ولادتي في العاصمة الرياض وشوارعها حقل تجارب للمهندسين والشركات، ولا يمكن أن يمر عام على شارع إلا وهو يتعرض للحفر ثم الردم ثم الحفر والردم مرة أخرى، في مؤشر يجعلك تقول أن لا غاية من ذلك إلا إشباع "الحسابة اللي بتحسب".
لا يوجد تنسيق عند تنفيذ المشاريع، فالسفلتة غالبا ما تكون قبل عمليات "الحفر" لمشاريع الهاتف والماء، التي تليها سفلتة مرة أخرى، في هدر واضح وفاضح وغير مبرر لمدخرات البلد.
وزارة الشؤون البلدية والقروية استشعرت بعد سنوات حالة عدم الرضا بين المواطنين حول جودة مستوى الطرق وصيانة الشوارع في مدن وقرى المملكة، وطالبت في تعميم عاجل قبل أيام الجهات الخدمية المعنية بتمديد الخدمات والبنى التحتية، إلى ضرورة التنسيق، وذلك لتفادي تكرار أعمال الحفر في الشوارع، وهو الأمر يتسبب في إعاقة الحركة وتهالك الطبقة الأسفلتية وتشويه الشوارع.
الدعوة للتنسيق لا تكفي، فالوزارة جهة رقابية وتنفيذية، وكل الجهات المعنية بالمشاريع الخدمية من كهرباء وسفلتة وماء تابعة لها، ومن الواجب أن تكون "الدعوة" أمرا صارما لا يمكن تجاوزه، ومن يتجاوزه يكون عرضة للعقاب، ففي الحفر ثم الردم وتكراره مرارا دون رقيب أو حسيب "حسابة بتحسب" وهدر للمال العام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي