نشأة ثاني وزارة
تأسست وزارة المالية في عهد الملك عبد العزيز عام 1351 هـ الموافق 1932 م، لتصبح ثاني وزارة تؤسس في الدولة السعودية الثالثة. وتأسيس الوزارة يحكي شيئا من قصة تأسيس الدولة الإداري في عهد المؤسس.
تاريخيا، ومنذ القرن الهجري الأول، كان يطلق على الدائرة المالية المسؤولة عن موارد الدولة ونفقاتها أو الإمارة اسم بيت المال. وأسلوب العمل في بيوت المال كان سائرا على الطرائق القديمة المتوارثة.
قام العثمانيون في القرن الثالث عشر وفي مطلع القرن الرابع عشر الهجري بإنشاء عدة دوائر حكومية في مكة المكرمة تعمل بأساليب حديثة نسبيا، فيها بعض المسايرة لتطور العصر البادئ في أوروبا، ومن أمثلة هذه الدوائر إدارة للمالية.
بعيد دخول الحجاز في الحكم السعودي، أواسط سنة 1344 (أوائل 1926)، كونت هيئة أو لجنة تأسيسية بغرض النظر في أوضاع الإدارة الحكومية داخل الحجاز في ظل الحكم الجديد. وضعت هذه اللجنة التعليمات الأساسية للحكم والإدارة للمملكة الحجازية في 1345/2/21، والتي قرر فيها وجود مديرية للمالية العامة، وترتبط بالنائب العام، ومهمتها إدارة واردات ومصاريف الحكومة، على غرار ما كان موجودا إبان الحكومة الهاشمية السابقة.
في العام التالي أعيد تشكيل مديرية المالية العامة بحيث تتكون من أمانات الأموال للملحقات، ومأموريات المحاسبة للدوائر ذات الواردات، وإدارة الجمارك، وأسندت إدارتها إلى عبد الله السليمان.
ثم ربطت من السنة التالية جميع الدوائر المالية في الحجاز بديوان مكة المكرمة الذي غير اسمه في الوقت نفسه من "مديرية المالية العامة" إلى "وكالة المالية العامة"، وأصبح لقب القائم عليها وكيل المالية العامة، وهو نفس المدير سابقا عبد الله السليمان، وكان مرتبطا بالنائب العام رئيس مجلس الوكلاء. تكونت وكالة المالية العامة من ثلاث شعب: الأولى: الإدارة العامة، وهي التي تتولى إصدار الأوامر والتعليمات إلى إدارات المالية في الملحقات وإلى سائر الدوائر الجبائية. الثانية: شعبة المحاسبات العمومية، أما الثالثة فهي شعبة فرعية للعاصمة.
في أواسط القرن الهجري الماضي كان العالم يعيش في أزمة اقتصادية التي عرفت بالكساد الكبير، ونقص عدد الحجاج نقصا كبيرا، وقد كان موسم الحج ورسومه تشكل مصدرا أساسيا للدخل القومي ولإيرادات الحكومة، وقد زاد الطين بلة ظهور حركات تمرد داخلية اقتضت زيادة مصاريف غير منتظرة. كل هذا جعل المالية تقع تحت عبء ثقيل، مما دفع إلى تأسيس إدارة جديدة سميت "الصندوق العمومي"، حصرت فيه كل الموارد والنفقات، وأسند إليه الإشراف على صرف الأبواب المختلفة بموجب النظام، وكل ذلك زيادة في قدر التنظيم والرقابة على واردات ومصروفات الحكومة.
زيادة على ما سبق استدعت الحكومة مختصا هولنديا، خلال تلك الأزمة (في سنة 1351 الموافق 1932) للنظر في الأوضاع المالية، ومساعدة وكالة المالية العامة على تنظيم الوضع المالي. في العام نفسه صدر أمر ملكي بجعل الوكالة وزارة، وصدر نظام لهذه الوزارة الجديدة، في العام نفسه أيضا. وقد حدد النظام مركز الوزارة وشعبها وصلاحيات الوزير ووكيله واختصاصات الشعب، وفروع الوزارة، وتعليمات المزايدات العلنية، والمقاولات الخارجية، وتعليمات كثيرة ومتنوعة أخرى، في أمور لم يعد بعضها من اختصاص الوزارة المباشر في الوقت الحاضر. وكان نظام الوزارة يختص بمسؤوليات الوزارة في الحجاز فقط، أما نجد والملحقات فقد نص على وضع نظام خاص بها.
مما يجدر التنبيه إليه هو أن كثيرا من نظام الوزارة شكل أساسا لقيام أنظمة منفردة في وقت لاحق. وكان وكيل المالية عبد الله السليمان أول وزير لها، لتصبح بذلك ثاني وزارة تنشأ. ربطت الوزارة بالنائب العام رئيس مجلس الوكلاء، الأمير (فالملك) فيصل، لأنه لم ينشأ بعد مجلس الوزراء. وقد بقي ارتباطها (أي الوزارة) بالنائب العام، رغم أنها جعلت فيما بعد مرجعا لماليات أماكن ليست من الحجاز بينما سلطة النائب العام كانت على الحجاز فقط.