قصة قصيرة .. الله الرزاق
توفي الأب بمرض عضال لم يعرف كنهه "مطوع" القرية. بقي طريح الفراش سنتين، كانت الأم خلالهما تقوم بكل الأعباء. تربي الطفلين، وترعى الأغنام، وتجلب الحطب، وتزرع ما تيسر في الحقل الصغير.
عاشت الأم وطفلاها على الصدقات التي بدأت تتناقص مع الوقت. الجميع في هذه القرية يعيش حياة الفقر، لا يكاد أحد يجد ما يقيم أوده، فمن أين يتصدق. لم يتجاوز عمر الطفل الأكبر خمس سنوات. لم يكن لها من ولي يحميها أو بيت يؤويها سوى ذلك البيت المبني من الطين، الذي تعاون بشقوقه وتسريبه الأمطار مع البرد والزمن على إتلاف أعصابها وصحة صغارها.
جاء رجل من أهل المدينة، يعرف جمال الأم وأصولها، إلى شيخ القرية، طلب منه أن يتوسط له لدى الأم لتتزوجه، جاء الخبر على الأم صاعقاً، فهي التي أحبت زوجها، وعاهدته في مرضه أن ترعى الطفلين ولا تسمح لأي كان أن يفرقهما أو يؤذيهما.
"الفقر الذي تعيشين قهره هو الذي سيفرق ابنيك ويؤذيهما" قالها الشيخ، وأردف: "تزوجي الرجل، فهو الذي سيمنح ابنيك المستقبل ويضمن لهما الحياة الأفضل، وفي المدينة الخير وفير". وافقت الأم على مضض، وخرجت من القرية تحمل "زهابها" على دابة. سار الطفلان خلف أمهما، بكى كل من في القرية لفراق هذه الأسرة الطيبة، وخوفاً عليهم مما تحمله الأيام.
في المدينة، التحق الابنان بالمدرسة، كانا محل الإكرام والاهتمام من زوج أمهما، رأى كلٌ منهما حوله الأساتذة والأطباء والتجار، تغيرت الحال وبدأت الأحلام والتخطيط للمستقبل، أكمل الأكبر الثانوية العامة وحصل على وظيفة مرموقة في إدارة حكومية.
قرر الأخ الأصغر أن يسافر إلى العاصمة ليكمل تعليمه، جاءته التحذيرات فليس هناك المزيد من المال أو العون من زوج الأم، فتدبر أمرك، عمل الرجل في كل شيء وجاهد حتى تخرج في الجامعة، التحق بالعمل الحكومي، حتى جاءت الطفرة لتنقله من العمل العام إلى الخاص.
افتتح معرضاً تجارياً، وكان نجاحه طاغياً، فاستمر في تطوير أعماله، أنشأ المصنع الأول، ثم الثاني، واستمر من نجاح إلى آخر، ليصبح واحداً من أكبر تجار منطقة الرياض.