جس نبض الغاز الصخري خارج أمريكا

كنت قد كتبت مقالاً في تاريخ 28 تموز (يوليو)، 2013، "الاقتصادية"، http://www.aleqt.com/2013/07/28/article_773684.html
ذكرت فيه أن إنتاج النفط الصخري خارج الولايات المتحدة في الوقت الحاضر غير مجد اقتصاديًّا، عند مستوى الأسعار الحالية التي في حدود 100 إلى 110 دولارات للبرميل. وذلك لأسباب معظمها "لوجستية"، ومنها ما يتعلق بالقوانين المحلية وعدم وجود معلومات فنية كافية وخبرات محلية. ولا أزال عند موقفي آنف الذكر، وحتى يقترب معدل الأسعار من 140 إلى 150 دولارا للبرميل. ويظهر لي الآن أن إنتاج الغاز الصخري هو أيضا لن يكون اقتصاديًّا خارج أمريكا في الوقت الحاضر للأسباب نفسها، باستثناء الصين بتحفظ شديد. فالصين لديها إمكانات بشرية هائلة وأيدٍ عاملة رخيصة ومقدرة هائلة على التوسع في التصنيع لو سخرتها لاستطاعت إنتاجه بتكلِفة مقبولة خلال بضع سنوات، خصوصًا أن الإنتاج سيكون للاستهلاك المحلي. وهناك تفكير جاد من قِبَل كثير من الدول المبهورة بالنجاح الأمريكي في إنتاج الغاز الصخري بتكلِفة رخيصة. ونشاهد على الساحة الدولية نشاطا ملحوظا في أكثر من موقع، وعلى وجه الخصوص في بعض الدول الأوروبية التي تستورد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى الصين بطبيعة الحال، وربما تتبعها أستراليا. ولا نشك في أن البعض منهم يحاول تطبيق عملية إنتاج الغاز الصخري بقصد أمرين: الأول، هو أقرب إلى كونه مجرد محاولة لفك لغز الغاز الصخري في بلادهم، وفيما إذا كان باستطاعتهم إنتاج الغاز بتكلِفة مقبولة، مقارنة مع الأسعار التي يدفعونها الآن مقابل حصولهم على الغاز من مصادر خارجية. والثاني، هو عبارة عن تقييم للوضع المحلي للتأكد من وجود الغاز بكميات تجارية ومدى قبول عملية الحفر والتكسير الهيدروليكي بيئيًّا، ومن ثم تقدير التكلفة وعند أي مستوى من الأسعار المستقبلية تكون مجدية اقتصاديًّا. ومن هذه الدول التي اتخذت خطوات متقدمة في هذا المجال، بولندا. فقد أظهر حفر أول بئر رأسية مُنتِجة في طبقات صخر السجيل في حوض البلطيق نتائج مشجعة، وإن لم تكن اقتصادية. فقد تدفق الغاز خلال عملية الاختبار المبدئي بكميات بلغت 60 ألف قدم مكعب. ويأمل المهندسون أن ترتفع كمية الإنتاج إلى ما يزيد على 200 ألف قدم مكعب بعد تنظيف البئر من سوائل الحفر. وقد تم حفر ما يقارب 50 بئرًا معظمها لم تؤت نتائج مرضية. وتنوي الشركة العاملة هناك حفر بئر جديدة بطريقة الحفر الأفقي، كجزء من برنامج يشمل حفر 30 بئرًا إضافية، لعلها تُعطي نتائج أفضل. ويتوقعون أن يكوِّن إنتاج البئر الأفقية عدة أضعاف البئر الرأسية. وتقول تقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن بولندا لديها أكبر مخزون من الغاز الصخري بين الدول الأوروبية، حيث يبلغ الاحتياطي البولندي بموجب تقدير مبدئي، ما يقارِب 150 تريليون قدم مكعب، رغم وجود تضارب في الأرقام من مصادر مختلفة. ولكن تقدير الاحتياطي الحقيقي ليس هو المهم اليوم. فالأهم هو إثبات الجدوى الاقتصادية لإنتاج الغاز الصخري في أي من دول أوروبا في الوقت الحاضر. ويبقى هناك عامل مهم من غير الممكن استنتاجه قبل بدء الإنتاج الفعلي، وهو ما يسمى بنسبة الاستخلاص أو الكمية الممكن إنتاجها من مكامن التخزين. وهذا أيضا يحتاج إلى سنوات طويلة من الإنتاج التراكمي. وتذكر المصادر البولندية أن عددًا من الشركات قد انسحبت من مناطق الإنتاج في العام الماضي، ومن المشاركة في الحفر في بولندا، وذلك تخوفًا من تنفيذ قوانين جديدة تصدرها الحكومة البولندية حول رفع مستوى الضرائب وإضافة شروط بيئية مُكلِفة.
وفي بريطانيا، يقول، لورد براون، وهو رئيس إحدى الشركات المتخصصة الرئيسة التي تنوي الدخول في عقد مع الحكومة البريطانية لاستكشاف وإنتاج الغاز الصخري، إنهم يحتاجون إلى أكثر من خمس سنوات من أجل تقييم الوضع بصورة كاملة والحكم على ما إذا كان إنتاج الغاز في بريطانيا اقتصاديًّا وبكميات مقبولة أم أن الأمر غير ذلك. ويقول إن عليهم حفر من عشرين إلى أربعين بئرًا للتأكد من قابلية الاستثمار في هذا المجال. ولم يخف لورد براون ميوله إلى ضرورة الاستثمار في الطاقة المتجددة النظيفة كهدف من أهداف مشاريع مصادر الطاقة المستقبلية، بدلا من التركيز فقط على المصادر الصخرية المكلِفة. هذا الحديث كان قبل بضعة أشهر. وخلال الشهر الماضي تحصلت إحدى الشركات على عقد مع الحكومة البريطانية لحفر بئر صخرية. وفي منتصف هذا الشهر تم إيقاف عملية الحفر مؤقتًا بناء على ضغوط محلية طلبًا لمزيد من المعلومات حول تأثير الحفر على البيئة. وهذا مما يوحي أن حفر آبار الغاز الصخري، رغم الحاجة الملِحة له، لن تمر بسلام.
ومن المناطق التي قد تشهد نشاطًا ملحوظًا باتجاه استكشاف وتطوير وإنتاج الغاز الصخري خارج الولايات المتحدة، أستراليا. وهي تحتل المرتبة السابعة في احتياطي الغاز الصخري بين دول العالم، حسب تصنيف إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وهذا لا يعني على الإطلاق أن غاز أستراليا جاهز للإنتاج وبكميات اقتصادية. فالأمر لا يزال تحت الدراسة ولم يُثبَت شيء بعد من هذا القبيل. والغاز الصخري الأسترالي مثل غيره من المصادر الهيدروكربونية، يحتاج إلى حفر عدة آبار لتحديد وقياس كمية الإنتاج لأشهر أو سنوات حتى يستطيعوا تقييمه وما إذا كان إنتاجه اقتصاديًّا عند الأسعار العالمية الحالية. ومن العقبات الكبيرة المعروفة لدى المسؤولين هناك، أن تكلفة حفر البئر في أستراليا يعادل ثلاثة أضعاف التكلفة في الولايات المتحدة. وهو أمر متوقع في كثير من المواقع خارج أمريكا، خصوصًا في المراحل الأولى من عمليات الحفر. وإن كان هناك من يشككون في صحة أرقام التكلفة والعمل لم يبدأ بعد في حفر آبار الصخري. ولكن من الممكن أيضا أن يكون الحفر في مناطق أخرى من أستراليا قد أعطى فكرة وافية عن مُجمَل التكلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي