هل حان الوقت لهيئة للتغذية الصحية في المدارس
بلا شك فإن سوقا للمقاصف المدرسية تضم أكثر من 25 ألف مدرسة فيها ما يقرب من خمسة ملايين طالب وطالبة، هي سوق ضخمة وتستحق في حد ذاتها الاهتمام، ليس فقط لحجمها، ولكن لتأثيرها المهم في عدة جوانب، منها ما هو تربوي وصحي ومنها ما هو اقتصادي. فمن الجانب التربوي والصحي يكفي أنها تمس أهم شريحة من أبناء هذا الوطن وهم الطلاب عماد المستقبل، فلا بد من العناية بتغذيتهم، وبأسلوب وطريقة وعادات الأكل لديهم، وهذه القضية تمس مستقبل شعب بأكمله، فنحن نعلم مدى انتشار العادات السيئة في الأكل، واهتمام الشباب خاصة في مراحل التعليم العام بالوجبات السريعة غير الصحية، فمن الصعب تدارك هذه العادة إذا أدمن الطالب على أكل هذه الوجبات المشبعة بالزيوت والدهون والسكريات التي تتراكم مع الأيام، وتزيد من معدلات السمنة وأمراض السكري والضغط، فالتغذية السيئة تتسبب في مستقبل غير واعد للمجتمع، ولا يوجد حل إلا من خلال الاهتمام بتعليم الطلاب منذ الأيام المبكرة في التعليم أفضل العادات الصحية في الأكل، وتنوع الوجبات ووقتها، بل حتى طريقة الأكل الصحية والمتحضرة. ومن جانبها الاقتصادي نجد أن التغذية المدرسية تحقق فرصا وظيفية كبيرة، فهناك أكثر من 25 ألف وظيفة عند الحد الأدنى للتشغيل، وتتجاوزها إلى الضعف أو أكثر عند المستوى المناسب للعمل، وتزيد على هذا إذا كنا نبحث عن مستوى نموذجي، هذا إذا تم قياس التشغيل المباشر، لكن لو تم أخذ الأعمال الضرورية الداعمة والخدمات الملازمة، فإننا قد نصل إلى أكثر من 100 ألف فرصة وظيفية، إذاً هي سوق ضخمة بكل المقاييس، وعلى الرغم من ذلك فإننا لم نزل نعتمد في تشغيل المقاصف المدرسية على طريقة المتعهد، وهو أسلوب لم يعد مناسبا لمستوى تطلعات المجتمع، ولا حتى لأهمية القضية وتأثيراتها، لذلك فإن خبرا عن عزم وزارة التربية والتعليم، إنشاء هيئة للتغذية الصحية في مدارس السعودية، يستحق الاهتمام والتعليق وجدير بالمتابعة.
فالموضوع بأبعاده التي تمت الإشارة إليها وتأثيراته لم يعد يكفيه مجرد لجنة مهما كانت صلاحياتها، بل جهة متخصصة مستقلة تعمل على مدار اليوم لتطوير هذا الجانب التربوي والصحي والاقتصادي المهم، أضف إلى ذلك أن تنظيم هذه السوق وتحريرها من يد متعهد وحيد يحتاج إلى مثل هذه الجهة، التي يكون في يدها منح الترخيص لشركات ومطاعم متعددة، كما تدفع بقطاع المؤسسات الصغيرة التي يملكها شباب سعودي مؤهل للدخول في هذه السوق، بل تطور آليات واتفاقيات مع الجهات المختلفة للتدريب والتأهيل والتمويل وفقا لنماذج متفق عليها للعمل. كما تدرس طرق تقديم الوجبات وأماكن ووقت الوجبة وطريقة تحضيرها، وتراقب الوضع الصحي في إعداد الوجبات وفق مقاييس عالمية لإجمالي السعرات الحرارية للمرحلة العمرية في مدارس التعليم العام. كما ـنه من المتوقع أن تعمل الهيئة على منع المأكولات غير الصحية في المدارس، وسن الأنظمة اللازمة لذلك. فالموضوع وإن بدا في ظاهره قضية مقاصف مدرسية إلا أنه في جوهره موضوع ضخم، وبتفاصيله قضية شديدة التعقيد تحتاج إلى تضافر الجهود، وربما يكون الوقت قد حان فعلا لوجود هيئة للتغذية الصحية في مدارس المملكة.