الشهرة.. وابن تركي
في الشهرة يقول بعض النقاد: "من تجاوز خبره محيط جمهوره المهتم بموهبته التي أشهرته فقد بلغ من الشهرة أقصاها". والمقصود هنا أن المشهور المعني، كسر طوق مجتمع ووسطه الذي نشأ فيه منتقلا إلى أوساط أخرى.
والأمثلة على ذلك كثيرة. الوزير الأديب الراحل غازي القصيبي، عرف بالوزارة قبل نتاجه الأدبي، وتناقلت الركبان لاحقا أشعاره ورواياته حتى لم يبق سعودي وكثير من العرب والعالميين لم يعرف الراحل الكبير، وبات اسم غازي يقفز إلى الذهن مباشرة عند ذكر اسم العائلة القصيبي.
في الشعر الشعبي يبدو خلف بن هذال شاعر الوطن كذلك، ومن منا لا يعرف أبو هذال وصوته المجلجل وحماسته وقصائده الوطنية التي حولته علما على رأسه نار، وأصبحت أبيات شعره تحفظ وتذكر في أوساط خارج الشعر على سبيل الاستشهاد والترفيه والإعجاب والتوجد أيضا.
في كرة القدم السعودية التي أخرجت الكثير من النجوم المضيئة، استحوذ اسم ماجد عبد الله على كثير من الضوء بمفرده، وتحول اسم "ماجد"، إلى ما يشبه تعويذة كرة القدم عند ذكرها في مجالس لا تهتم بالرياضة، ولم يعرف كثير من كبار السن غير المهتمين باللعبة غير ماجد إلى الآن، حتى أصبح الباشق الأسمر مرادفا للكرة الخضراء حقبة طويلة من الزمن، خَلَفَهُ في ذلك الحارس الأسطوري محمد الدعيع، بوقفاته المشهودة بين الخشبات الثلاث، وتصديه لركلات الجزاء الحاسمة في المباريات الدولية الكبيرة، وبات اسم الدعيع مرادفا للحراسة، ومشهرا لها في أوساط لا تعرف من الكرة غير استدارتها. هذه نماذج فقط، والأمثلة كثيرة في مجتمعنا وغيرها، رجال ساسة وفكر وأدب وإعلام وأعمال ومجتمع ودعوة مثل إمام الحرم المكي الشيخ عبد الرحمن السديس، والراوية الشرهان ورؤساء بعض الأندية كالراحل عبد الرحمن بن سعود والمعاصر منصور البلوي، والمطرب محمد عبده.
بلوغ النجم سماوات أخرى غير التي بزغ فيها، يعتمد في كثير من الأحيان على موهبة استثنائية بين أقرانه، وتعلق الناس به وكثرة ترديد اسمه، حتى تطرح الأسئلة في أثره، ويساعد في ذلك أيضا وجوده طرفا في كثير من الأحداث الساخنة، التي يبحث العامة عن تفاصيلها، كما يسهم الاسم وغرابته أحيانا في اختصار كل هذا المشوار، ناهيك عن الكاريزما الخاصة التي يهبها الخالق بعض خلقه.
في الموسم السعودي الرياضي الجاري، أعتقد أن الأمير فيصل بن تركي رئيس نادي النصر، في طريقه للانضمام إلى القائمة، يساعده في ذلك الثورة الفنية والجماهيرية التي أحدثها الرجل في ناد بنى العنكبوت حوله، خيوطه ردحا من الزمان، وتحول إلى ما يشبه المتحف التاريخي، حتى استوى على صهوته "كحيلان"، وأعاده إلى مضمار السباق بين صفوة الجياد. إذا كان النصريون يذكرون بالعرفان والتقدير مؤسسي ناديهم أبناء الجبعاء، ثم مؤسسة الثاني ورمزه الراحل عبد الرحمن بن سعود، فإن فيصل بن تركي سيذكره التاريخ رجل مرحلة التأسيس الثالثة في تاريخ هذا الأصفر العريق. أسباب عدة تدعوني لتصنيف الشاب ابن تركي ثالث مؤسسي النصر وواحدا من المرشحين لكسر طوق الشهرة الرياضية إلى المجتمع الكبير، أولها ما فعله بالنصر وتأثرت به الحركة الرياضية في مجملها، وثانيها التعلق الجماهيري الكبير بشخصية هذا الرجل في مدرج ناديه، وترديد اسمه أيقونة خاصة بالأصفريين، تجاوزت محيطهم إلى مدرجات أخرى تذكره على سبيل الإعجاب والرغبة في وجود مثله لديهم. ولا يمكن أن نغفل أن لقب "كحيلان"، أسهم كثيرا في تعالي شهرته في أوساط أخرى وهو الاسم الذي تحتفظ الذاكرة الشعبية له بكثير من المناقب والصفات الحميدة.
ماذا يحتاج فيصل حتى يلتحق بالقائمة؟ أشياء قليلة، في مقدمتها الاستمرارية، وفتح آفاق جديدة في الإدارة الرياضية، لم تعرف قبله، والاستفادة من خطواته السابقة في تعزيز المقبلة.