إعادة هيكلة الأجهزة الرقابية
هناك دراسة لتطوير الأجهزة الرقابية تم رفعها للمقام السامي، بعد أن تكررت حالات ثبت فيها وجود قصور في الدور الرقابي، رغم تعدد الأجهزة الرقابية. ولا تتوافر حتى الآن تفاصيل عن مضمون تلك الدراسة، سوى أنها استجابة لما يتطلبه تفعيل الرقابة في جميع مراحلها، حيث تضمن الأمر الملكي لتطوير أجهزة الرقابة، أن تقوم هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بالعمل على تطوير أنظمة ووحدات الرقابة الداخلية في جميع الأجهزة الحكومية، بما يمكنها من أداء مهامها الموكلة إليها.
ويمكن أن نستشف من تعديل اختصاصات هيئة الرقابة والتحقيق أن مضمون الدراسة سيتركز على إعادة الهيكلة لمعظم الأجهزة الرقابية، فهناك تعدد يتطلبه تنوع ميادين الرقابة وطبيعة الأنشطة محل الرقابة.
لقد سبق أن تم تعديل هيكلي جزئي في بعض الأجهزة الرقابية، حيث تم نقل نشاط الرقابة المالية الذي كانت تقوم به هيئة الرقابة والتحقيق إلى ديوان المراقبة العامة، ونقل اختصاص هيئة الرقابة والتحقيق، المتعلق بالتحقيق والادعاء العام في الجرائم الجنائية التي تتولاها الهيئة واختصاصات الجهات واللجان المتعلقة بالتحقيق والادعاء في الجرائم الجنائية، إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، مع استمرار هيئة الرقابة والتحقيق في ممارسة نشاط الرقابة الإدارية، ونشاط التحقيق الإداري والادعاء في المخالفات الإدارية والمالية، ونقل نشاط المراجعة الميدانية بما في ذلك الوظائف الشاغرة والمشغولة من وزارة الخدمة المدنية إلى هيئة الرقابة والتحقيق.
إن الرقابة ليست نظاما واحدا ولكنها مجموعة من الأنظمة، وكذلك مجموعة من الأجهزة الحكومية التي تغطي الأنشطة الحكومية والأهلية، ولذا فنحن أمام منظومة لها تمددان أفقي وعمودي تم بناؤهما على مدى عقود، وأصبح بعضها جزءا من التقليد الإداري ولا تخرج عن دور روتيني لا يتناسب مع واقع الحال اليوم، ولكن لأن الهدف والغاية ثابتة وهي عدم إساءة استخدام الأصول والأموال العامة بأنواعها الثابت منها والمنقول، فإن الوسيلة المضمونة هي إعداد التقارير وتوثيق العمليات بطريقة سليمة تضمن معلومات صحيحة لمتخذي القرار حتى تتم المحاسبة عند وجود مخالفات قانونية في أي مرفق حكومي، وهذا لا يعني انتهاء الدور الذاتي لكل جهاز ومرفق حكومي ولكن يعني أن تكون الرقابة الذاتية أول خطوة، وهي محل لمساءلة صاحب القرار في أي جهاز حكومي.
إن النظام الرقابي الشامل الحكومي يبدأ من تطوير أنظمة للرقابة الداخلية في الجهات الحكومية والأدوار الرقابية التي تمارسها الإدارة العليا في كل جهة، وكذلك على مستوى الرقابة المركزية في عدة جهات منها وزارة المالية، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة الصحة، وديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة مكافحة الفساد وغيرها من الأجهزة التي تملك الصلاحية النظامية لرقابة المال العام، والإشراف على الخدمات في القطاعات التجارية والمالية وعموم الأنشطة في القطاع الخاص، ويبدو أن هناك تداخلا في المهام والوظائف لا يزيد الرقابة قوة بقدر ما يضعفها، ومن ذلك الرقابة على المشاريع التي يتم التعاقد بشأنها، فهيئة مكافحة الفساد تقوم بأعمال تتداخل مع أعمال ديون المراقبة العامة، كذلك تتقاطع طولا وعرضا مع مهام وظائف بعض الإدارات في داخل المؤسسات الحكومية التي لديها وحدة للمراجعة الداخلية ومراقب مالي إضافة إلى إدارة للمتابعة، وإدارة للجودة.
وبلا شك فإن العلاقة بين الأجهزة الرقابية لم تعد مقبولة لدى صانعي القرار، وستكون هناك ترتيبات جديدة تبث الروح في تلك الأجهزة وتعيد ما كان لها من دور فاعل، كما أن النظام أو القانون سيكون الوسيلة في وضع هذه الترتيبات المتوقعة التي قد تكون دمجا لبعض الأجهزة، أو إعطاء صلاحيات أوسع وتفعيل الرقابة الذاتية والمسؤولية الفردية.