الواقع العربي والحنين للماضي الأليم
تعاني المنطقة العربية تدهورا سياسيا كبيرا، وتهددها مخاطر تنذر بتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم! ومن المثير للاستغراب أن تتجه المنطقة إلى مستقبل لا يبدو مضيئاً على المدى القصير، على الرغم من ثرواتها الطبيعية والبشرية. فالعراق ــــ مثلاً ـــــ لم ينعم بالاستقرار والتنمية مع ما فيه من نفط وأنهار وأراض زراعية خصبة وعدد لا بأس به من الأيدي العاملة، بل ينزلق إلى أسوأ مما كان عليه في الماضي، فمن وطأة حزب البعث الذي يهمش ما سواه، إلى أنظمة طائفية تثير النعرات الطائفية المقيتة. ويبدو أن سورية ليست أسعد حظاً، بل توشك على دخول النفق نفسه! ومن المؤلم أن أي بلد من بلدان الربيع العربي لم يتمكن من بناء نظم ديمقراطية تضمن إشراك مكونات المجتمع وتجلب الاستقرار! لذلك لا تعاني تلك الشعوب فقرا في الموارد بقدر ما تعانيه من فقر في نظم الحكم الراشد!
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه بإلحاح، ما سر تدهور الأحوال السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية عموماً، وعدم نجاح ثورات الربيع العربي خصوصاً؟ وما سبب تفكك المجتمعات العربية إلى طوائف وجماعات دينية وعرقية وقبلية على عكس ما هو مأمول، خاصة بعد انتشار التعليم وتقارب أرجاء المعمورة إلكترونياً؟ فمن الإشكالات الكبيرة التي لا تخفى على عاقل وتهدد الأوطان بالتفكك أن الانتماء الوطني يأتي في الدرجة الثالثة بعد الانتماء الديني والقبلي، الأمر الذي لا يوجد في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، أعتقد أن الوضع السياسي في الدول العربية يتجه لمزيد من التدهور والانقسامات وربما الحروب ما لم تُغلب مصالح الأوطان على المصالح الحزبية والطائفية. فالحاجة ملحة للنظر بجدية فيما يلي:
- الاتفاق بين مكونات المجتمع الفاعلة إلى نظم تستند إلى قواسم مشتركة، بدلاً من الصراع على السلطة، فالوقت الآن لا يسمح أن تكون الشعوب العربية محطة تجارب لأفكار جديدة ومتباينة، كما كانت في الماضي ما بين القومية، والاشتراكية، والرأسمالية، والطائفية.
- نبذ ممارسة التشدد والغلو والطائفية التي لا تحمل أي معنى من معاني التسامح والاحتواء، ولا تسمح بالتعايش، ومن ثم لا تمنح أي فرصة لبناء دولة حديثة.
- تقبل الآخر والانفتاح للتغيير الإيجابي، إذ لا يمكن العيش عكس حركة التاريخ، فهناك تناقض كبير في السلوك وخلل كبير في التفكير، ما بين المطالبة بمقاطعة الغرب من جهة، والاعتماد على استخدام التقنيات والخدمات التي تلفظها آلة العلم والصناعة في الدول المتقدمة من جهة أخرى.
- قبول التنوع وعدم الاستمرار في قولبة تفكير الناس وعقولهم، وتضييق الخيارات المتاحة أمامهم، فالتنمية بمفهومها الشامل تدعو إلى توسيع الخيارات أمام الناس اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً ضمن دائرة لا تتعارض مع القيم الدينية والإنسانية النبيلة.
وأخيراً، إذا استطاعت الدول العربية تطبيق نظم سياسية تضمن العدالة والمساواة وتمهد للاستقرار والتنمية، وإلا سيزداد الحنين إلى الماضي الأليم!